كنتُ في إحدى المرات جالساً مع صحفي كبير. كبير على مستوى الأمة العربية. لا يمر عرس أو منتدى أو مناسبة إلا ويكون أول الحاضرين ومستضاف في غرفة سويت وسيارة فاخرة عند باب الفندق تنتظره وفي كثير من الدول الخليجية لا يخرج إلا بشرهة معتبرة غير الراتب الثابت الذي يودع في حسابه وغير المكافأة الهائلة التي يأخذها عن الكتابة في المجلات والجرائد الممولة خليجياً. حتى أنه استطاع بفضل هذه الشرهات أن يشتري شقة في أغلى مناطق لندن. شقة تقدر كلفتها بما لا يقل عن عشرين مليون ريال. عندما رأيته شعرت بالهيبة -أتصور لو يدري عن دخلي الإجمالي لوضعني في قائمة صدقاته- جلست إلى جانبه بالصدفة. بوصفي سعودي أو خليجي توخيت أن أجلس جنبه كما يجلس التلميذ أمام المعلم. لم أقدره ولم يقدر نفسه، فهذه المقادير قدرها من يقدرني ويقدره. عليه الكلام وعلي الإصغاء. لا يمكن أن أقاطع رجل يسكن في شقة بعشرين مليون. منتزعة من نفس الفلوس التي كان يمكن أن تكون لي ولزملائي الخليجيين، إلا إذا تذكرنا أن الأرزاق مقدرة حتى قبل أن نولد. مكتوب على جبينه العريضة أن الله أعطاه وأعطى بني جنسيته كل ما يشتهون. جلست جنبه لعلي أتعلم منه. عندما يتكلم يتكلم ببطء وتؤدة. تخرج الكلمات موزونة منغمة. لا يسرف في الكلام فكل كلمة تخرج من فمه تكلف ميزانيات الدول الخليجية ثلاثة جنيهات ذهبية حسب التسعيرة. الجلوس معه فرصة لا تعوض. أتعلم منه كيف تكون الكتابة لعلي أكسب ما يكفي لأشتري شقة في الربع الخالي. بداية متواضعة ولكنها خطوة على الطريق الصحيح. المسافة من الربع الخالي إلى لندن هائلة ولكنها ليست مستحيلة. من سار على الدرب وصل. هكذا علمونا في المدرسة دون أدنى مسؤولية. لا يأس مع الأمل. شعار آخر تلقيناه في المدرسة أيضاً. لكن المسألة طالت. مضى عليها ثلاثون سنة. لعل الجلوس مع هذا الصحفي المذهب في أحد فنادق الدول الخليجية يختصر المسافة. المشكلة أنه لا يعرف الصحراء ولم يشاهد الرمال التي تحيط بها من كل جانب. الرحلة بالنسبة له تبدأ من بيروت. لا أعرف ما الذي كان يمكن أن يكونه لو لم يصبح كاتباً أما أنا وزملائي الكتاب الخليجيون فالكتابة أبعدتنا قليلاً عن شيل الدلال. لا تملك أثناء الجلوس معه سوى أن تتأمل في بدلته السموكن وكرفتته المنقوعة في لون الليلك وجزمته المصنوعة من جلد التمساح ويده اليمنى تزخر بساعة رولكس. طقم متناسق. كل قطعة فيه تكلف مكافأة كاتب خليجي. أحببته لأنه يحب الأناقة ويعرف كيف يضع نعمة الله على ظهره ويتحدث في كل العلوم. أخيراً فهمت منه أن الكتابة أوهام. هناك أشياء لا تتعلمها في المدرسة. أشياء لا يعرفها سواه.
فاكس 4702164
Yara.bakeet@gmail.com