كثيرة هي إشكاليات العالم العربي, فمن غياب التنمية إلى انعدام الحركة الاقتصادية السليمة، مروراً بالتناقض الاجتماعي والاختلاف على قضية المشاركة في السيطرة, وغيرها من إرهاصات الواقع العربي الحالي التي أصبحت تشكل المهدد الأول لمسارات التنمية المستدامة والاستقرار. إلا أن أهم تلك الظواهر ما بدأ يطفو على سطح البلدان العربية من بروز الكيانات المنافسة لسلطة الدولة, التي تبحث عن ما يضفي عليها الشرعية من المفاهيم والقناعات لتمتطي ظهرها وتمرر من خلالها طموحاتها الانفصالية أو تنافسيتها مع الدولة. بل والأخطر من ذلك أن تكون تلك الأطراف تسعى لنتفيذ أجندات الخارج والتحالفات الإقليمية التي تربطها مع مموليها وعرابيها القابعين خلف الحدود الذين بذلوا الغالي والنفيس لنفخها بالنفوذ وتحويلها إلى دويلات داخل الدول.
الأمثلة على ذلك جد كثيرة، ففي لبنان شاهدنا كيف انقض السلاح المتشح عباءة المقاومة على سلطة الدولة وشرعيتها ووجه بوصلة بندقيته إليها, وفي العراق كم سمعنا تصريحات لساسة يحملون الولاء لإيران نصبوا أنفسهم كناطقين رسميين للخارجية الإيرانية, مستندين بذلك على قناعات المذهب الواحد وأيديولوجية التمذهب السياسي الذي أصبح بمثابة شيك مفتوح يدر المال والسلاح إلى كل من أعلن ولاءه وانسلخ عن هوية الوطن الأم ودولة الأساس والمنشأ, وفي اليمن لا يمل المتمردون الحوثيون من محاولات تنغيص الاستقرار بعمليات الخطف والابتزاز الأمني، وفي فلسطين تشتت قضية الفلسطينيين وضاعت لحمتهم بعدما أدخلت قضاياهم في دهاليز التباين الأيدولوجي وسمسرة الولاءات السياسية بين الدول المتقاطعة المصالح التي تسعى دائماً إلى البحث عن مواطئ الأقدام في قضايا الآخرين لتخلق الحلفاء وتوظف قضاياهم العادلة لمصالحها الشخصية.
لقد أضحت إشكالية نشوء الدويلات داخل الدول ومنافستها للسلطات الشرعية في القرار والحكم والسيطرة من أهم المهددات ذات الصفة الاستمرارية على استقرار الدول واستمرار الدوام السياسي بها. ومن الضروري القول إن الأمر بات يحتاج إلى نوع من الوقفة الحازمة مع كل جماعة أو حزب أو فريق يجنح إلى تحقيق نوع من الاستقلال الذاتي والانسلاخ عن سيطرة الدولة, واخضاع كل الطموحات والنزعات الفئوية إلى سلطة القانون وإدرج كل أعمالها في إطار المؤسسات الشرعية والدستورية التي إن استمر انعتاقها منها فقل على الدولة والمجتمع السلام.