الثيمة التي انتظمت الاحتفالات بمرور 60 عاماً على النكبة الفلسطينية، بالتأكيد تؤكد لنا أن الأدوات التي تتصدى لهذه القضية ما برحت نفسها، بالأيدي نفسها التي تتخطفها وتطوف بها بين العواصم وبصحبة السمسار نفسه.
60 عاماً والقوم يدورون حول مزاراتهم القديمة، ويتباكون حول القبور نفسها، وشعارات المقاومة والثورة والعنف وأطياف التحرير الكبرى دون كيشوت الذي يحارب طواحين الهواء يحسبها غيلاناً.
60 عاماً من الدعوات المتصلة لعسكرة العالم العربي وجعله أتوناً يغلي تتوقف فيه جميع مظاهر الحياة، ليتحول إلى ثكنة وطوابير للاصطفاف على خطوط المواجهة المتقدمة متناسين تماماً الخطوط الخلفية، التي هي الروح وشعلة القوة والديمومة لكل جيش. الخطوط الخلفية التي مازالت تكابد مشكلات الجهل والفقر وقضايا الفساد وغياب إنسانية الشعوب، مخدرة بذلك البث المؤدلج والغاز المغيب للتفكير، غاز يدخلها حالة غيبوبة لمجاميع أدمنت الاستماع إلى طبول الحرب على مدى 60 عاماً ونواح الثكلى والأيامى بعد الهزيمة.
هل أدمنا الهزائم؟ هل استطاب العالم العربي الهرولة وراء الحواة والسيرك العربي الكبير الذي يلوح بشعارات المقاومة؟
منذ عام 1948م وعندما واجهت الشعوب العربية الكيان الصهيوني المحتل، وبعد فجيعة اكتشاف الهوة الحضارية الكبيرة بيننا وبين العدو المغتصب، لم يجعلنا هذا الاكتشاف نرتد بعنف إلى الداخل نراجع موقعنا من العالم وموقع العالم منا. الفيروس حينما يهاجم الجسم يحتشد الجسم وفق خطة ذكية للمقاومة والتغلب عليه، ولكن العالم العربي ما برح يتخبط ودخل في حمى طويلة فلا هو حي فيرجى ولا ميت فيدعى له بالرحمة.
اختطفت الشعارات الثورية القضية الفلسطينية (قميص عثمان)، فكانت تأخذها كمظلة لشرعيتها وابتدأ من الانقلابات العسكرية التي قادتها فرق الانكشارية القومجية، الناصرية وطبولها بدلاً من تحرير القدس طفقت تدعم ثوار اليمن، وبات الجميع يخطئ الطريق إلى القدس سوريا بدلاً من تحرير القدس احتلت لبنان، والعراق بدلاً من تحرير القدس احتل الكويت، والقاعدة أعملت أدواتها الظلامية في العالم العربي تفجيراً وتدميراً بدلاً من الوصول إلى القدس، وآخر مشهد رأيناه في السيرك العربي الكبير الأسبوع الماضي هو مشهد حزب الله، يهدد ويبتز المدنيين العزل ويقتحم المنازل والبيوت والمؤسسات المدنية، كمقاومة آلهية عظيمة ستحرر القدس!!
يا عرب العالم اتحدوا، أنقذوا فلسطين من يد السماسرة، وأخرجوها من السيرك العربي الكبير, أنقذوها من الأيدي التي تتخاطفها وتجعلها مظلة لجداول أعمال المليشيات وأصحاب الأحلام الجشعة، يا أهل فلسطين جربوا طريقاً آخر للعودة، فقضيتكم العادلة أسمى من أن يتخاطفها السماسرة، قضيتكم التي كانت أكبر عملية احتلال وظلم فادح شهدها العصر الحديث كابدت بما فيه الكفاية ونهر الدماء وقوافل الشهداء ما برحت تتالى، لنجرب مفاتيح جديدة للمقاومة، لنحاول الدفاع عن الحضارة عن الحياة عن الثقافة عن كرامة الإنسان عبر تأسيس فعل حضاري قادر على الوقوف والمواجهة والاستمرار في رحلة نضالية طويلة، وخطوات تسعى إلى ترميم الهوة الحضارية بيننا وبين العدو المغتصب، فعل حضاري قادر على النهوض بهذه المجاميع الهائلة من المحيط إلى الخليج والمطوقة بغيمة الخديعة والغياب المضلل.