Al Jazirah NewsPaper Sunday  18/05/2008 G Issue 13016
الأحد 13 جمادى الأول 1429   العدد  13016
التعامل مع مشكلة تغير المناخ بمجموعة متنوعة من الحلول
غاري يوهي

لقد حاول العالم، بقدر ضئيل من النجاح، تقليص معدلات انبعاث الكربون بموجب بروتوكول كيوتو. إلا أن الجهود الهائلة التي بذلت لتنفيذ البروتوكول تشير إلى حجم العمل الهائل المطلوب للتوصل إلى المعاهدة أو الاتفاقية التالية، والتي من المفترض أن يتم التصديق عليها في كوبنهاغن في ديسمبر/كانون الأول 2009م. مما لا شك فيه أن المدافعين عن هذا التوجه سوف يطالبون بسياسات صارمة وبعيدة المدى، إلا أن المقاومة القوية سوف تستمر من جانب الدول المتخوفة من الآثار السلبية المترتبة على ذلك والتي قد تضر باقتصادها، سوف تتمتع المفاوضات الجديدة بميزة واحدة عن الجهود التي سبقتها، وذلك لأن الحكومات الآن تدرك ضرورة تبني مجموعة من الحلول من أجل التأقلم مع المشكلة وتخفيفها، فضلاً عن تنظيم الجهود البحثية. والحقيقة أن الدراسة الجديدة التي توليتها أنا وزملائي لصالح مركز إجماع كوبنهاغن في الدنمرك تستكشف مدى فعالية الحلول المختلفة لهذا التحدي العالمي، إلا أنها تؤيد بشدة ولأسباب عديدة تبني أسلوب الحلول المتنوعة.

أولاً، لقد أصبحنا ندرك جميعاً أن التكيف مع المشكلة سوف يكون على قدر كبير من الأهمية، لأن درجات الحرارة سوف ترتفع بمقدار 0.6 درجة مئوية بحلول العام 2100، حتى ولو تم استئصال مشكلة الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري غداً. ونحن ندرك أيضاً أن التأثيرات المترتبة على تغير المناخ لن تتوزع على نحو متساو في كافة مناطق الأرض.

ففي بعض المناطق، قد يؤدي الارتفاع الطفيف في درجات الحرارة إلى زيادة إنتاجية بعض المحاصيل الزراعية إذا ما ظلت سبل الري متوفرة. ولكن حتى بزيادة مقدارها 0.6 درجة مئوية في درجات الحرارة فلسوف تتعرض أفريقيا وجنوب آسيا لانخفاض شبه فوري في قابلية العديد من المحاصيل للنمو، ثم في النهاية ارتفاع احتمالات الإصابة بالأمراض المعدية. ومن الواضح أن القدر الأعظم من هذه التأثيرات سوف يصيب سكان الكوكب الأسوأ ظروفاً: أو المليار نسمة الذين يتحملون الآن بالفعل العبء الأثقل من المرض، والفقر، والصراعات، وسوء التغذية.

إن ضمان توسع القدرة على التكيف واستغلالها في المناطق الأشد حاجة إليها يشكل في حد ذاته تحدياً أساسياً. وبفضل التنمية طويلة الأمد فقد تتمكن بلدان العالم من اكتساب المزيد من القدرة على تخفيف التأثيرات المترتبة على تغير المناخ فيما يتصل بالبيئة وصحة المواطنين، إلا أن أفقر الناس على ظهر الأرض سوف يحتاجون إلى المساعدة من الدول الغنية.

في تحليلنا، قمنا على سبيل المثال بدراسة الفوائد المترتبة على تبني سياسات أكثر استهدافاً على الأمد القريب: شراء شبكات الفراش المقاومة للبعوض، وتوفير علاج الملاريا للأطفال في أفقر الدول المتأثرة بتغير المناخ. وكان الهدف يتلخص في التعامل بصورة أشد قوة وقدرة على استباق بعض التأثيرات الصحية الهامشية المترتبة على الاحترار العالمي. وقد تظهر الفوائد على نحو شبه فوري، إلا أنها قد تتلاشى مع الوقت بسبب نمو الاقتصاد. وحتى مع تحسن الظروف بفضل التنمية إلا أن تقليص الانبعاثات الكربونية سوف يشكل أهمية متزايدة على الأمد الأبعد، مع اشتداد التأثيرات المترتبة على تغير المناخ.

وبما أن هذه التأثيرات بدأت في الظهور بالفعل في العديد من المناطق في مختلف أنحاء العالم، فإن التفكير في سبل التخفيف يصبح أمراً منطقياً في كل مكان. إلا أننا وجدنا أن محاولات التخفيف وحدها لا تكفي لاجتياز اختبار الفوائد في مقابل التكاليف. فقد سمحنا لتكاليف سنوية محددة لخطة التعامل مع تغير المناخ بالنمو بالتناسب مع زيادة الناتج العالمي الإجمالي حتى العام 2100 بداية من تكاليف سنوية أولية تبلغ 18 مليار دولار. ولقد بلغ مجموع التكاليف الأدنى بعد التعديل السنوي حتى ذلك التاريخ ثمانمائة مليار دولار، إلا أن الأضرار التي نجحنا نظرياً في تجنبها بهذا الأسلوب لم تتجاوز 685 مليار دولار.

كما قامت الدراسة التي أجرها مركز إجماع كوبنهاغن بفحص الخيارات كتلك التي نادت بها الهيئة بين الحكومية التابعة للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ. فقمنا بتخصيص خمسين مليار دولار للإنفاق على البحوث الخاصة بالتوصل إلى تقنيات أكثر رحمة بالبيئة، بحيث يتبقى750 مليار دولار فقط للإنفاق على مشاريع التكيف وتخفيف الآثار. وبهذا بات بوسعنا سد الفجوة بين تكاليف التقنيات الخالية من الكربون والتقنيات المتسببة في انبعاث الكربون، وأصبحت الضرائب المصممة لتخفيف الانبعاثات أكثر فاعلية. ونتيجة لهذا أصبح برنامج الأبحاث والتنمية قادراً على الإنفاق على نفسه، وقفزت الفوائد المترتبة على استثمار ثمانمائة مليار دولار إلى ما يزيد على 2.1 تريليون دولار.

إن ضمان مشاركة عنصر الأبحاث والتنمية كجزء من الاستجابة العالمية لقضية تغير المناخ، من شأنه أن يجعل جهود التخفيف أكثر كفاءة وأن يعزز من قدرتها بصورة واضحة على تقليص الانبعاثات الكربونية في غضون القرن القادم.

بيد أن هذه الفوائد الصافية تعكس افتراضاً شديد التحفظ فيما يتصل بتوقيت تقليص الانبعاثات واشتراك العالم النامي في هذه الجهود. والحقيقة أن تحسين كفاءة هذا الاستثمار مع الوقت من شأنها أن تزيد على سبيل المثال من الفوائد إلى أكثر من ثلاثة أمثالها. وقد تزيد الفوائد المتوقعة إذا ما وضعنا في الحسبان احتمال تفاقم الضرر الناتج عن تغير المناخ مع الوقت.

إن مكافحة تغير المناخ من الممكن أن تشكل استثماراً سليماً، رغم أن جهود التخفيف والتكيف لا تكفي وحدها لحل المشكلة. فلكي نتمكن من إحداث فارق حقيقي، وخاصة على الأمد القريب، يتعين على العالم أن يجمع بين جهود التخفيف والتكيف وبين زيادة جهود البحث والتنمية في تقنيات احتجاز الكربون وعزله، وهو الأمر الذي يتطلب بالتالي تصميم واستغلال حوافز السوق اللازمة لتحقيق هذه الغاية.

أستاذ علوم الاقتصاد بجامعة ويسليان.
خاص بالجزيرة



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد