مشهدان حملا مضامين فكرية وسياسية وثقافية تعكس حالة الحراك في منطقة الخليج العربي، وتظهر المدى الإيجابي الذي يتحقق في الخليج في مجال الإصلاح الداخلي.
أمس بدأت في دولة الكويت الانتخابات النيابية التي جرت في انسيابية وهدوء، وتمت وفق أعلى المعايير التي تحرص الدول الديمقراطية على توفيرها بمجتمعاتها، فالانتخابات الكويتية جرت دون أن يعكر صفوها أي حدث، ومع أن هذه الانتخابات شابها بعض الاتهامات من قبل المرشحين -الذين لم يحالفهم الحظ في الفوز وعزوا ذلك إلى تأثير المال السياسي (شراء الأصوات) والتكتل القبلي- إلا أن هذه الشوائب من السلبيات التي لا تؤثر على الانتخابات وبخاصة أنها من سلوكيات المجتمع، وليست من صنع النظام ولا من تدخلات الدولة، وإذا ما أقرينا من أن أية انتخابات لا يمكن أن تصل إلى الكمال التام، فإن انتخابات دولة الكويت تعد في قمة النزاهة، وأنها خيار أحسن الكويتيون تأديته؛ فالاحتكام إلى صناديق الانتخابات أفضل حتماً من اللجوء إلى السلاح لفرض المواقف السياسية وإلغاء إرادة الآخر مثلما حصل في لبنان الشقيق، حيث يجتمع أقطابه السياسيون -الذين تورطوا في (قتال سياسي) لفرض الإرادة- في دولة خليجية أخرى؛ حيث تستضيف دولة قطر حوار قادة لبنان لإنهاء انقلاب حزب الله.
انتخابات الكويت، انقلاب حزب الله في لبنان، استضافة دولة قطر لحوار قادة لبنان، مشاهد متزامنة تظهر أهمية التطور الفكري والثقافي والسياسي في مكان ما، وتراجعه في مكان آخر، فقد أدى تدخل الغير في لبنان، وإشاعة الثقافة الطائفية، ونشر الطائفية السياسية إلى جر البلد إلى الاقتتال وإلغاء الخيار الديمقراطي باللجوء إلى خيار العنف وصولاً لإرهاب الطرف الآخر، كما حصل في الأيام الماضية في لبنان.
أما في الكويت فعندما تأزمت الأمور وتدهورت العلاقة بين الحكومة الكويتية ومجلس الأمة، بادر أمير دولة الكويت إلى حل المجلس والتوجه إلى الشعب الكويتي لاختيار ممثلين لإكمال مسيرة الديمقراطية، وليس تخريبها بعيداً عن المصالح الشخصية والانتماءات الطائفية والقبلية التي أخذت تطل برأسها في الكويت فقضى عليها أمير دولة الكويت وحسناً فعل.
أما ما قامت به دولة قطر من تهيئة الأجواء لإعادة العافية لديمقراطية لبنان فهو يدخل في سياق التطور والسمو الفكري السياسي لمنطقة الخليج العربي، التي شهدت وتشهد حراكاً للإصلاح السياسي والتطور الفكري، ساهمت قطر في إنعاشه كثيراً من خلال جملة إصلاحات أوجدت مناخاً إيجابياً في قطر والخليج العربي عموماً.
jaser@al-jazirah.com.sa