اليوم الخميس.. أول أيام الراحة الأسبوعية، وهذه المخلوقة الصغيرة (عبير) مخدوعة في نفسها أو كما نقول بلهجتنا الدارجة (ماخذه في نفسها مقلب) فهي تظن لأنها وصلت للسنة الرابعة الابتدائي في دراستها أنها كبرت وفهمت من الدنيا كل ما تحتاج أن تفهمه، وترى لأنها في عامها العاشر من عمرها الذي أسأل الله أن يجعله مديدا بما يرضيه عنها، أنها تستطيع أن تفعل وتتصرف كأخواتها اللاتي يكبرنها وأن لها الحق بأن يسمع رأيها وتستشار، فتحاول بكل ما تستطيع أن تحاكي كلماتهن وتصرفاتهن وحتى لباسهن، وتقضي معظم وقتها في البيت وهي تلبس فستانا سرقته من أختها وتخلع آخر، أو تدور بعباءتها حاملة حقيبة يدوية كما تفعل الكبيرات وهي تتخيل تارة أنها مع صديقاتها يتنزهن دون أن تنسى ما يصادف كل فتاة من متابعة شباب يثيرهم لون العباءة السوداء، أو وهي تتخيل معاتبتها للخادمة على تقصير رأته أثناء غيابها الذي تخيلته عن البيت، وهي بهذا التصرف وحده تثير مشاكل لا حصر لها، فلا يخلو يوم من شكوى من أخواتها على دخولها غير المصرح لغرفهن واللعب بأغراضهن وموجودات دواليبهن، أو من والدتها لعبثها بقلم روج أو عطر أو حذاء تحرص عليه، حتى إذا طفح الكيل لاقت منهن تقريعا وكلاما لا تحبه لتتوجه لأخيها (البزر) كما تصفه وتتباهى أمامه بمعلوماتها أو حكاياتها الغريبة التي ترتجلها لينبهر المسكين ويعود ليسألني متى يكبر ليفهم ويعرف كما تفهم وتعرف عبير...
قالت عبير: اليوم الخميس، (يعني يا بابا أبرتاح من غثا المدرسة).. وجدتها فرصة سانحة لتحفيزها على إكمال ترتيب غرفتها وإعادة ترتيب أغراضها التي جعلت المدرسة والواجبات والنوم المبكر ذريعة للتقصير فيها، وطلبت منها استغلال الراحة الأسبوعية في أعمال مفيدة ومريحة.. لكنها بادرتني بانزعاج (ما صارت راحة يا بابا، في الخميس والجمعة أبغى أرتاح، يعني أنام وأتفرج على التلفزيون وبس)، هي كعادتها تفتح أمامي دون أن تقصد أبوابا كثيرة للتفكير، ولا أعتقد أن عبير وحدها أخذت مفهوم الراحة على غير ما ينبغي، فكثيرون غيرها يعتقدون أن الراحة تعني عدم الإتيان بأي عمل حركي، ويرون أن الراحة تعني فقط الاستلقاء والنوم قدر المستطاع، وأنا بطبيعة الحال لا أتفق مع هذا، فقد تكون الراحة في الحديث والتنزه مع شخص تحبه، أو في ممارسة نشاط يختلف عما تفعله طوال أيام الأسبوع، فالسباحة مثلا عمل لمحترفي السباحة يتطلب في راحتهم البحث عن نشاط بعيد عنه، لكنه عمل يحقق الراحة لمن لا يمارس السباحة دائماً..
ما أريد الوصول إليه أن الراحة لا تعني السكون والخمول أو الامتناع عن القيام بأي عمل حركي، بقدر ما تعني البحث عن عمل تحبه النفس يختلف عن العمل المفروض في بقية أيام الأسبوع مع قليل من الاسترخاء.. ليت عبير تفهم.. والله المستعان.
ص.ب: 102291 الرمز البريدي: 11675
naderalkalbani@hotmail.com