الحقيقة التي لا يمكن تجاوزها أن أزمات سوق المال المتتالية أدت إلى اضمحلال الطبقة المتوسطة في المملكة والحقيقة الأخرى التي يتحدث عنها المتخصصون في مجالسهم، ولا يجرؤون على الإعلان عنها، إن هناك قرارات (مرتجلة) من قبل مؤسسة النقد كانت وراء تلك الطفرة التي أوصلت مؤشر سوق المال إلى قمم (مفتعلة)، ثم أدت إلى انهياره. كانت أرقام التداول خلال (عز) السوق هي السبب الأول والرئيس الذي شهق بالمؤشر إلى قمته، الأمر الذي خلق هذه الأزمة التي طالت - تقريباً - كل السعوديين، و(الطبقة المتوسطة) منهم على وجه الخصوص.
في المفاهيم الاقتصادية تعتبر الطبقة المتوسطة هي الداعم والمحرك الأساس لأي دولة تعتمد اقتصاد السوق. وعندما تهتز (مداخيل) هذه الطبقة فإن ذلك يعني أن اقتصاد هذه الدولة يكتنفه خلل هيكلي يتطلب التقويم والإصلاح.
والآن، وبعد أن انهار سوق المال، لابد وأن يطرح سؤال مفاده: من المسؤول عن هذه الكارثة، ولماذا وصلت إلى هذه النهايات المأساوية؟
أعرف أن هذه العجالة لا تكفي لقراءة الظاهرة بعمق، غير أن كل ما أرمي إليه هنا ألا تمر دون أن ننصف (المتضررين)، ونحمل (المخطئين) المسؤولية.
بالمختصر المفيد: البنوك هي المسؤولة، ومراقبة البنوك (تحديداً) في مؤسسة النقد تتحمل القسط الأكبر من المسؤولية. فالبنوك عندما انخفضت أسعار الفائدة على الدولار في نهاية 2003 وبداية 2004، ضغطت لاعتماد نوافذ إقراض (شخصية) داخلية تتماشى مع الشروط الإسلامية - مع تحفظي على التسمية - فكان (التورق) هو المخرج، الأمر الذي أدى إلى اندفاع البنوك لإقراض الأفراد بشروط قد تبدو مغرية، وبفوائد كبيرة نسبياً. ولأن قنوات الاستثمار الداخلية محدودة اتجهت الأموال المقترضة إلى سوق الأسهم التي كانت القناة الاستثمارية الأكثر إغراءً، فابتدأت (الفقاعة) التي انفجرت في النهاية، وتضرر منها (المقترضون الأفراد)، بينما استفاد منها البنوك والمضاربون، والذي زاد الطين بللاً أن هذه البنوك في عز المضاربات في سوق الأسهم تسابقت على إقراض المواطن بضمان الأسهم المشتراة في السوق أو جزء منها، وهي تعرف - من حيث البدء - أن لديها آلية من الضمانات تخولها (للهروب) من الكارثة فيما لو وقعت، الأمر الذي فاقم المشكلة، وترك المواطن في النهاية يواجه الكارثة منفرداً. مؤسسة النقد كانت ترى البنوك تغري حتى أصحاب المداخيل المحدودة، ولم تحرك ساكناً، حتى أصبح المواطن الحذر يشعر وكأن (حذره) عقبة كأداء في طريق دخوله إلى عالم الثراء والملايين، فترك حذره جانباً واقتحم السوق.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن محافظ مؤسسة النقد كان قد صرح يقول: (ساما - أي مؤسسة النقد - مستعدة لمعالجة أي آثار سلبية لهبوط حاد لأسعار الأسهم في حالة حدوثه). الأمر الذي جعل من في ذهنه ولو قليل من حذر، يدخل السوق وهو (مغمض)، فمؤسسة النقد - كما أكد محافظها - سوف تتدبر أمر أي آثار سلبية تكتنف السوق، ولا داعي للقلق أو الحذر أو التردد!
والسؤال: لماذا لا يحاسب من ساهم في هذه الكارثة، ولماذا لا يقال للمخطئ أخطأت؟ سؤال يبحث عن إجابة!