من طريف ما استجد في سلوك المسافر أنه لم يعد معنياً بحمل جسده على قدميه والتوجه للمطار ومعه حفنة أوراق تثبت هويته وتؤصل مرجعيته وتسمح له بالعبور.. وجملة عملات نقدية تعينه على مأكله ومسكنه حيث يتجه..
بل أضيف إلى أحماله أجهزة حديثة منها الهاتف الجوال وجهاز الحاسوب ناهيك عن بعض مشترياته في المحطة أو حقيبة ملابسه اليدوية إن كانت رحلته قصيرة..
كنت ألحظ سعادة بل نشوة في وجوه الذين يتعاملون مع أجهزة حضارية حديثة كجهاز النداء السريع (البيجر) ثم كبرت النشوة بجهاز (الجوال) ثم اتسعت ببعض أجهزة الألعاب بعد أن اختفت اللاقطة التصويرية من الأيدي أو الأكتاف واستعاض عنها المسافر بلاقطة الهاتف.. وتضاعف ازدياد هذه النشوة كلما كثرت مقتنيات المسافر من الملامح التي تتوالد عنها محمولاته..
الأكثر طرافة أن هناك من يميل للفت الأنظار لما تخبئه حقيبته منها إن لم تكن مما يبدو للعيان وتحديداً بشكل واضح عند النساء.. حين يفتح المسافرون حقائبهم ويستعرضون أهم مقتنياتها المعبرة عن مواكبتهم لآخر صيحات السوق من أجهزة أو عطورات أو أوراق وأيضاً الأقلام التي اختفت وأصبحت إضافة للطوارئ في حقائب النساء أو على صدور الرجال دليل وهي أيضاً مؤشر لخدمة التعريف بعدم الأمية أو دليل آخر للثراء والبذخ عند أولئك..
أكثر وأبلغ طرافة حين تستمع لقصص حياتهم ومشاريعهم وأحداثهم وما ينتظرهم عند الوصول من المحطة للأخرى أو قبل مغادرتها إليها من أفراد أو مواعيد أو أحداث أو صفقات..
آخر ما قابلني من طرائف المحطات ونشوة الإنسان بمقتنياته أن هناك من ملأ الحيز الصغير في الطائرة قبل الإقلاع بقصص الصفقة وبشخوص العملية وبوثائق الملكية.. حتى أن هناك من أشفق عليه من كمية الجهد في عدد الساعات المتخيلة لعمله.. حتى إذا ما أعلن لمن يتحدث إليه عن قيمة الصفقة إذا بهاتفه يرسل رنيناً طويلاً مما أطلق بسببه من حوله ضحكاتهم إذ كانوا يمارسون الإصغاء الإجباري لقصة في خيال صاحبها المغلق هاتفه طيلة تلك المسرحية والذي كلما تحرك هف عبير عطره مع حركته وكلما استدار قرأ الجالسون جواره ماركة ساعته وكلما انثنى وسجل ملاحظاته شاهدوا نوع قلمه بل ماركة جهاز هاتفه الضخم الذي يوحي بمملكة من الأعمال لا تكل نحلاتها عن صناعة الخلية..
جميل أن نكتشف أن منجزات الحضارة هي أمر آخر يضاف إلى عوامل التأثير في قيم الصدق في سلوك الأفراد علنا أن نتنبه إليها وإن كان علينا ذلك في محطة سفر.