هم طلاب اليوم الذين يولدون ويكبرون مع ألعاب الفيديو والجوالات والكمبيوتر والإنترنت.. إنهم صغار وشباب اليوم الذين يعيشون آثار التطور التكنولوجي فيتفاعلون ويعالجون المعلومات والبيانات عقليا وإدراكيا بطريقة مختلفة عن جيلنا منذ ظهور الرسائل السريعة وحتى ظهور لغة المحادثة في الكمبيوتر والتي تتطور مع الزمن وبهذا أصبح العالم الرقمي هو من يحدد عالمهم وصح إطلاق التسمية عليهم بأنهم فعلا: مخلوقات العالم الرقمي.
الثورة التكنولوجية أحدثت آثارا غير مسبوقة على مخ وطرق التفكير التي تتعامل بها الأجيال الجديدة من المعلومات من حولهم إذ أظهرت البحوث أن الجيل الرقمي هذا يتفاعل ويعالج المعلومات التي تصل إليه بطرق عقلية مختلفة عن ما ألفناه وتبنيناه من نظريات حول الفهم والإدراك والإبداع كما أظهرت الدراسات أن مخ هذا الجيل الرقمي مختلف فيزيائيا وكيميائيا عنا وأن عقولهم مستمرة في التغير بزيادة المحفزات الإلكترونية من حولهم.
الرؤية التقليدية لنمو الدماغ تقول بأنه وفي سن الثالثة يكون هناك عدد محدد من الخلايا تنمو مع الإنسان والتي تموت مع الكبر واحدة بعد الأخرى كما كان الاعتقاد سائداً بأنه بغض النظر عن الجنس والخلفية الأثينية والخبرة فنحن نستخدم دماغنا في إجراء عمليات التفكير بالطريقة نفسها مستخدمين نفس الوصلات العصبية.
غير أن الدراسات التي ظهرت خلال الخمس سنوات الماضية في مجال الدراسات العصبية البيولوجية بينت أن الدماغ الإنساني وبشكل متواصل -بغض النظر عن العمر- يعمل على إعادة تشكيل نفسه طوال الحياة اعتمادا على المثيرات التي يتعرض لها ودرجة كثافة وثراء هذه المثيرات فبقدر توفير بيئة محفزة ذهنيا سواء للكبار أو الصغار بقدر ما يتاح لهم من تعلم مثير.
هذه العملية بالطبع لا تتم من تلقاء نفسها ولكنها وكما ذكرنا بحاجة إلى مثيرات متواصلة ومكثفة لفترة زمنية طويلة: عدد من الساعات في اليوم لسبع ساعات في الأسبوع فمشاهدة التلفزيون لفترة طويلة يعيد برمجة خلايا الدماغ.. بماذا يذكرنا هذا؟ بكل صغارنا الذين يقضون ساعات وساعات أمام الكمبيوتر وألعاب الفيديو والتلفزيون حيث ظهر أن التعرض الدائم لهذا النوع من الخبرات قد يساعد على إعادة تشكيل تسليك خلايا المخ بحيث تعالج البيانات والمعلومات التي تتلقاها بطريقة مختلفة ولعل هذا من الحسنات القليلة جدا لاستخدامات هذه الأجهزة!
إن هذا ما قد يفسر لنا لماذا يعالج الصغار المعلومات والبيانات بطريقة مختلفة عما نفعله كما أنه أيضا قد يفسر في جزء منه الاختلافات الجوهرية بين هذا الجيل وجيلنا بما يعني أن هناك تحولاً هائلاً في طرق تفكير الجيل الرقمي وفي أساليبه في التفكير والتفاعل مع المعرفة والمعلومات. ولنتذكر طريقتنا نحن ذلك الجيل في القراءة السريعة لصفحة ما؟ كيف نقوم بذلك؟ من أول الصفحة من فوق إلى تحت.. لكن انتبهوا لهذا الجيل كيف يفعلونها؟ إنهم يقومون بعملية مسح سريعة من تحت إلى فوق لماذا؟ لأنهم يفتحون صفحات كثيرة من الإنترنت ويتعاملون معها في ذات الوقت ويحفظونها في البار ويعودون إليها وهي تحت في الخط السفلي للكمبيوتر! هؤلاء المخلوقات أيضا يفضلون القراءة من اللونين الأزرق والأحمر في حين نفضلها نحن باللون الأبيض!
إن حقيقة قيام هؤلاء المخلوقات بأكثر من مهمة في وقت واحد (فتح نوافذ في النت) (أكثر من واحدة)، سماع موسيقى، تشاتنق، صنع مواد) في ذات الوقت يعني القدرة على الوصول للمعلومات، التعامل مع الألوان، القفز من محيط معلوماتي إلى آخر في أي وقت وأي مكان، التفكير في أشياء لا علاقة بينها فأين كل هذه الخبرات العقلية والبصرية من هذا التعليم الموجه الذي تتبناه كل نظريات التعلم وتبنى عليه طرائق التدريس بحيث توضع الخبرات التعليمية ضمن خطوط مستقيمة وبمراحل متتالية كما يتلقونه في مدارسهم كل يوم.
البحوث أيضا أشارت إلى أن التكنولوجيا واستخدامها قد عملت على تحسين مهارات الذكاء البصري وكذلك التوافق البصري والحركي لدى مخلوقات هذا الجيل الذين يجلسون لساعات حول لعبة كمبيوتر يضطرون خلالها إلى اتخاذ الكثير من القرارات العقلية السريعة للقفز من مرحلة إلى أخرى لتحقيق الفوز في اللعبة وهذا يعني أن هناك ثراء وتعقيدا للبيئة غير محدود والتي يرى عالم الاجتماع الأمريكي سكولر أنها تتحدد بالمثيرات المتاحة وطبيعة خصائص هذه البيئة بمتطلباتها إذ كلما كانت المثيرات متنوعة ومختلفة فسيكون المرء مضطرا لاتخاذ قرارات أكثر تعقيدا وكلما كان عليه أن يضع في الاعتبار عددا أكبر من العوامل عند اتخاذ هذه القرارات.
المدهش أنه كلما بدت الخيارات غير منطقية وغير مترابطة كما في بيئة الألعاب الإلكترونية كلما كانت بيئة المثير أكثر تعقيدا وهذا التعقيد يؤدي في الحقيقة إلى مستويات عالية من التفكير المنطقي والعقلي وتحفيز القدرات العقلية والقدرة على تعميم هذه التجارب على خبرات مستقبلية!
إنه تدريب مباشر على ما يسمى بالإبداع والابتكار والذي يعتمد على خلق خيارات غير منطقية وربط أشياء غير مترابطة والوصول منها إلى أشياء جديدة وهو الأمر الذي أهملته المدرسة التقليدية في عنايتها بالمنطق والحدود فركزت على تدريب الجزء الأيسر من الدماغ فركزت على الحفظ وأهملت الجزء الأيمن الذي يلهو صغارنا وشبابنا بتدريبه كل يوم دون أن نتمكن من استثماره بشكل فعال في ما يدرسونه إذ لابد من الاعتراف بالتغيير العقلي والتغيير في طرق التفكير لدى هذا الجيل الرقمي والذين يعيشون في عالم من الملتميديا / ملتيتاسك (متعدد الخبرات والمهمات) والتي يتطلب أداؤها أن تكون في وقت واحد ومتنوعة (فنون تصويرية وفيديو وعالم معرفة مرئي ومقروء) وكل هذه المهارات لا تتمكن مدرسة اليوم من تقديرها والاعتراف بها أو وضع برامج تعليمها بشكل يتوافق مع هذه التغيرات.
إن فهم الطريقة الجديدة التي تشكلت بها أدمغة هؤلاء الصغار وطرق تعلمهم وتوظيف التكنولوجيا لدعم هذه التغيرات والاستفادة منها في التعلم هي أحد الطرق الأساسية لاستغلال إمكانات هذا الجيل وهو ما يعني ضرورة الاعتراف بتغيرات العالم الرقمي الذي لا يعني أن المدارس يجب أن يكون لديها إنترنت عالي السرعة أو أن لدى كل طالب كمبيوتر شخصي فاستخدم إمكانات العالم الرقمي لدعم الطرق التقليدية في التفكير والتدريس والتقييم ولتأكيد أساليب التفكير القديمة والمهارات القديمة في التعلم لن يؤدي إلا إلى إعاقة تعلم مهارات العالم الجديد.
علينا أن نختبر فرضياتنا التقليدية حول التعليم والتربية والنظام المدرسي التقليدي كما نحتاج إلى مراجعة قناعاتنا حول معنى التعليم وأساليبه وطرقه وحول الفصل الدراسي وكيف يبدو شكله وكيف يستخدم الوقت الدراسي وطول اليوم الدراسي وتوزيع اليوم الدراسي على الموضوعات المختلفة أي تغير جذري في الفلسفة التي يقوم عليها النظام التربوي. يجب أن نتحدى افتراضاتنا حول مفهوم العلم والتدريس وحول مفهوم الذكاء وكيفية تقييم العمل المدرسي ونحن ندرك أن كل هذا سيتحدى محيطنا المريح للتفكير والفعل (Comfort Zone) ولذا فهو أمر غاية في الصعوبة وهو ما خلق الصراع حول دور المدرسة اليوم.
لكن الكلمة الأساسية التي أعتقد أنها يجب أن تقال هنا هو أن يترك التعليم للتعليم.. يجب أن يرفع المؤدلجون أيديهم عن هذا التعليم ويتركوا لخبز لخبازه حتى تتمكن وزارة التربية والتعليم من إحداث التغييرات التي تتوافق مع التغيرات في العالم من حولها وفي الأنظمة التربوية.. وبدل الجدل حول هذا المنهج وذلك فلنثق أن صناع القرار يفكرون في أطفالنا ليس الآن بل حين ينتقلون إلى سوق العمل ويحتاجون إلى كل هذه المهارات العقلية والشخصية التي منحهم إياها عصرهم وتدربوا عليها ويمتلكون المهارات العقلية لها لكننا نحن الكبار لا نكف عن الجدل ثم الجدل ثم الجدل!