Al Jazirah NewsPaper Saturday  17/05/2008 G Issue 13015
السبت 12 جمادى الأول 1429   العدد  13015
الإنجاز بين دعوة الأسلمة وشعار التوطين
عبدالعزيز السماري

أصبحت دعوات التوطين تشكل المحور الرئيسي في الندوات ومقالات الصحف اليومية وبرامج الإعلام، ولم يعد شعارها حصراً على توطين القوى العاملة، فقد تجاوزته إلى دعوات توطين الصناعة ...

.....والتقنية والعلم الحديث والفلسفة والأنظمة الإدارية الحديثة في القضاء ونظام المجالس البلدية وغيرها.. تماماً مثلما حدث قبل عقدين من الزمن عندما انتشرت دعوات الأسلمة.. أسلمة المجتمع والعلم والاقتصاد والطب والإعلام.. كان الناس يبحثون عن الحلول لمختلف مشكلاتهم الحياتية في مشروع الأسلمة القادم، وكانت الدعوات أحياناً في غاية الشدة ضد البنوك والإعلام، وأن أسلمتهما فرض لا بد من تحقيقه، وقد وصلت شدة التحريم للبنوك أن يحرم على المواطن العمل فيها.

لكن تلك الدعوات وبعد أن وصلت لأوج حماسها الاجتماعي ما لبثت أن تضاءلت تدريجياً، بعد أن قرر نخبة من العلماء أن يستجيبوا لدعوات البنوك، وأن يدخلوها من أوسع أبوابها، وأن يتقلدوا وظائف أسلمة بعض المعاملات البنكية.. وحل الأسلمة التي تم تقديمه لنزع الحرام عن القروض التي تُقدمها البنوك للمواطنين كان في إدخال بضاعة لا تتحرك كثيراً من مستودعاتها كوسيلة غير ماليه لتجاوز المحرّم في المعاملات المالية المباشرة أو بيع القرض مباشرة وبفوائد محددة سلفاً على قيمة القرض...

كانت نتيجة هذه الأسلمة أن تضاعفت مبالغ الديون على الأفراد آلاف الأضعاف نتيجة إقبال المواطنين بعد أن تمت أسلمتها، وصار البنك أخيراً هو الكاسب الأكبر في دعوة أسلمة البنوك، وهي التي شغلت الناس لعقدين من الزمان، ولم يظهر إلى الآن أي إنجازات إيجابية لما تم إطلاقه من حلول تحت شعار الأسلمة..

الإعلام أيضاً تجاوز تلك الدعوة وتنوعت القنوات وصار لكل مشاهد مهما اختلفت توجهاته قناة تلبي رغباته، وأيضاً تجاوز التعليم تلك الدعوة الشمولية من خلال فتح المدارس الخاصة التي لا يحمكها ما يحكم المدارس الرسمية.

فقد شعار الأسلمة الكثير من سحر تأثيره على المجتمع، فالناس ربما اكتشفوا أن شعار الأسلمة لم ينتج عنه حلول جذرية لقضاياهم اليومية، وأن تأثير بعض منتجاته مثل أسلمة البنوك كان في واقع الأمر أكثر سلبية من زمن التحريم، وكانت أسلمتها السبب في تراكم الديون على كواهلهم خلال السنوات الماضية، كذلك أدت أسلمة التعليم السطحية وانتشار التعليم الجامعي الديني استجابة إلى دعوات الأسلمة إلى خروج أجيال من الشباب غير مؤهلين للمرحلة القادمة.

ظهر سوق العمل بقوة بعد الطفرة الأولى، ولم تنسجم متطلباته الملحة مع طفرة خريجي الكليات النظرية والدينية، وكان ذلك عاملاً مهماً لقدوم أعداد هائلة من المهنيين الأجانب في التخصصات المطلوبة في السوق، وربما كان ذلك أحد أسباب ارتفاع معدلات البطالة.

كان لزاماً البحث عن شعار جديد يلائم المرحلة ويقدم الحلول لقضايا البطالة والفقر وتراكم الديون الشخصية، وكان الحل قريباً؛ فالوطن أصبح أولاً، ولم يعد خطاب الأمة هو الشعار الذي نحتكم إليه، وصار توطين القوى العاملة والمواطنين المؤهلين للعمل في وطنهم شعاراً ترفعه مختلف المؤسسات والشركات الصغرى والكبرى، وتُفرد لها الصفحات، وتُفتح له البرامج الإعلامية لتروي قصص معاناة هؤلاء الشباب مع أحد أهم حقوقهم المدنية في الحصول على وظيفة في ميادين العمل في بلادهم.

فقد أضحت أعداد القوى العاملة الأجنبية حديث المجتمع، فالأرقام بلغت أرقاماً قياسية، وارتفعت الأصوات لمعالجة الأمر واتخاذ القرارات التي تصلح ما أفسدته شعارات المرحلة السابقة، وكان جزء من الحل يكمن في الاستعانة بشخصية مؤهلة لقيادة التغيير ولتفعيل دعوات التوطين في سوق العمل.

كانت البداية مشحونة بعواطف الوطنية وبشعارات التوطين، وضرورة توطين الشركات والمؤسسات الوطنية وأن الحل الذي لا بد منه هو في توظيف السعوديين ومنحهم فرص العمل في وطنهم واكتساب الخبرات التي كان يحتكرها الأجانب.. شاعت أجواء التفاؤل بالشعار الجديد وما يحمله من مفاهيم جديدة نسبياً على المجتمع، فالوطن صار أخيراً أولاً.

لكن السؤال الذي لم يتوقف عن التردد في أذهان المواطنين كان عن كيفية تطبيق مبادئ التوطين، وكيف يتم فرض توظيف السعوديين على شركات ومصانع ومؤسسات قامت على أيدي العمالة الأجنبية؟.. كانت القيادة للخبرات الأجنبية في نسبة عالية من الشركات والمؤسسات المحلية، ولم يتجاوز ميدان عمل رجل الأعمال السعودي أحياناً أكثر من أبعاد مكتبه، ومع ذلك كان يكسب بربحية عالية مقارنة بالمجهود الذي يبذله لإدارة مشروعه التجاري.. وبالفعل لم تنجح محاولات وزارة العمل الخجولة نوعاً ما في (فرض) سياسة التوطين على أرض الوطن.

جاء الحل أخيراً على طريقة (وجدتُها) أو هكذا اعتقدت عندما قررت الوزارة الاستعانة ببعض رجال الأعمال السعوديين ليكونوا أعضاء في مكتب العمل، وذلك من أجل تفعيل توطين الشركات والمؤسسات المحلية أو تزيين واجهة تلك الشركات بالشعار أو بالشماغ الوطني، والحل لم يكن مبتكراً على الإطلاق، بل كان له جذور في باطن العقل، فقد (وجدتها) البنوك من قبل عندما استدعت بعضاً من علماء الدين لتصميم حجاب إسلامي لا يتعارض مع أهداف ومصالح (البنك)، وكانت النتيجة مزيداً من القروض والاستغلال المتوشح بالرداء الإسلامي.

أيضاً كانت ثمرة استعانة وزارة العمل برجال الأعمال لتصميم زي وطني في هيئة قرار توطين 5% من عمالة الشركة، وذلك ليكون كافياً لإظهار وطنية المؤسسة ودورها في تفعيل شعار توطين القوى العاملة في المجتمع.. كانت النتيجة استقدام أكثر من مليون وسبعمائة ألف عامل أجنبي خلال العام الماضي فقط.

تداعت فكرة هذا المقال عندما زرت إحدى الشركات العائلية الكبرى في الوطن وقابلت أحد السعوديين القلائل الذين يعملون في واجهة المؤسسة، وعندما علمت أن مالك الشركة أو أحد ملاكها الرئيسيين عضو في مكتب العمل.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6871 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد