أمام الأحداث والحوادث، وأمام الأحزاب والطوائف يموت الضمير الحي على أرض (لبنان)، ولا يجد الإنسان ما يصلح للاحتكام إليه، أو اللجؤ إليه. المآسي بطبيعة الحال تولد النفور في النفوس، والجفاء في الأخلاق، والنكبات تزيد من حدة التباغض، وترفع من وتيرة التنافر والتناحر، وفي هذه الحال تزداد مسافة الخلف والاختلاف بين الأطياف أكثر من مساحة التقارب والالتقاء، ولا غرابة أن ينشأ جيل ضحية، تختلط أمامه أوراق كثيرة، فيؤمن بالواقع أكثر من غيره، ودونك هذه المقطوعة لأحد شعراء هذا القطر، وهو يرى حدة التناقض، يقول: |
لا أحسب الناس زادوا عفةً وتقى |
من بعد إنزال إنجيلٍ وقرآنِ |
قد كان يخشى عقاب الإثم خاطئهم |
فصار يخطيْ موعوداً بغفرانِ |
وما الكتابُ إذا مات الضمير سوى |
عهدٍ يمزقهُ في الحرب خصمان |
- الضمير الحي اليقظ تظل الكتب السماوية، والتعاليم الدينية نبراساً تضيء له مسالك الحياة، فتكبح من خواطره الجامحة، وتهدأ أمامها الأفكار الثائرة. هذا فيما إذا كانت هذه المصادر وحدها هي التي تقود أهداف الإنسان، وتحكم توجهاته، وتسيطر على رغباته ورغائبه. |
- على امتداد تاريخ (لبنان الحديث)، (لبنان الجريح) عاش أهله يشكون سلطتين: أحدهما بقيادة (رجال الدين)، والأخرى (رجال الدنيا)، وعلى هوى هؤلاء يعيش(اللبنانيون). يخبو صوتهم حين يشتد الغرام بين القطبين، ويعلو إذا تنافر العاشقان لأدنى الأسباب وأتفهها. |
- رغم أن لبنان يقع جغرافيا في محيط إسلامي، لكن ارتباطه منذ القدم بالغرب جعلهم يعيشون في غربة فكرية، إذ وجدو أنفسهم أمام عدة ولاءات، ومجموعة تيارات وأحزاب تتنازعه وتحرضه. انتماء قومي، وانتماء ديني، وانتماء وطني. وكل وتر من هذه الأوتار يُعزف عليه من الخارج، وهم يتمايلون من الداخل. |
- مع ذلك، لا أعتقد أن المذهبية الطائفية هي وحدها التي تحرك الأطماع، وتقود النزاعات من الداخل، وربما يستساغ ذلك في بلد غير لبنان، أما في بلد يعد بوابة الشرق الأوسط، وكعبة علومه، ومنارة ثقافته، وملتقى حضاراته المعاصرة، وأكثر شعوبه تحرراً وامتزاجاً بالشعوب فهو ما يجعلني أجزم أن الأطماع السياسية هي أساس اللعبة، وأشده ضرراً. |
- الكثير يعلم أن ثقافة الاستعمار تدعو إلى تأجيج الطائفية، وتسعى إلى تأصيلها في الأقاليم التي تمتلك نفوذاً قوياً فيها، في حين أنها تسعى بشتى الوسائل إلى هدم هذه الشعارات، وتشن الحروب عليها في بلدانهم الأصلية، لأنهم يدركون حقيقة الأديان وغاياتها أكثر من غيرهم. وفي هذا التناقض ما يدعو للتساؤل، ويحمل الباحثين في الشأن السياسي على دراسته وعدم إغفاله. |
- منذ أكثر من قرن، ونحن نقرأ للراصدين للتاريخ اللبناني أن هذا البلد بحكم سبقه الثقافي لشعوب المنطقة سيصبح أنموذجاً في يوم ما لدول المنطقة، في الاستقرار السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، لكنها وعود وآمال حولتها الأيام إلى وعيد وآلام، فهل غيرهم سيتعظ؟. ا - هـ |
|