ابن خلدون هو: عبدالرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن خلدون، ترجع أصول أسرته إلى أصل يماني حضرمي النسب، الإشبيلي الأصل، التونسي المولد والمنشأ، فيلسوف مؤرخ عالم اجتماع، ولد في تونس سنة 732هـ (1332م)، وتنقل بين تونس وفاس والأندلس، وتلمسان ومصر، وتوفي بالقاهرة سنة 808هـ. اشتهر بكتابه: العبر وديوان المبتدأ، كما اشتهر في مقدمة كتابه المشار إليه التي أودعها خلاصة أفكاره وآرائه، مما جعلها تعد من أصول علم الاجتماع (الأعلام، للزركلي، ج3، ص(330).
ودون الدخول في دراسة فكر ابن خلدون دراسة شاملة، فإن الذي يهمنا هنا تحديداً هو مقولة ابن خلدون: (أن مسار التاريخ عبارة عن دائرة مغلقة لا يزال الإنسان يدور حولها حتى يطوي الله الأرض وما عليها).
وتتمثل فلسفة التاريخ عند ابن خلدون في: أن عمران الدول يبدأ من البداوة ونشاطها ليبلغ التحضر الذي ينتهي بالدعة والسكون، حيث إن التجمعات البشرية تجتمع في البداية لتعمل من أجل معايشها فتبدأ بالتجمع والتعاون ثم تتسع دائرة التجمع والعمل إلى أن تصل مرحلة التغلب وبناء دولة، ثم تركن إلى الهدوء ورغد العيش ثم الخمول الذي يصيب الأجيال اللاحقة. وأن كل شيء ينشأ، وينمو، ويتطور، ثم ينتهي لتبدأ دورة جديدة.
لا شك أن ابن خلدون أول مؤرخ ينظر إلى التاريخ نظرة فاحصة، ويخضعه للنقد والتنظير، ويتناول كتب المتقدمين بالنقد والتحقيق، ويزنها بميزان مناهج البحث العلمي، لكنه كان ينطلق بفلسفته التاريخية من خلفية زمانية ومكانية وثقافية معينة.. فابن خلدون عاش في عصر من الاضطرابات والصراعات التي كان للقبيلة دور كبير في تفاعلاتها، وعاش في حقبة تاريخية متوترة، كانت فيها أمته تمر بمراحل عصيبة؛ بل إنها كانت تعيش مرحلة من أسوأ مراحلها إذا ما قورنت بخلفيته الإسلامية المتكئة على إرث إسلامي يزخر بأمجاد وإنجازات عظيمة مقارنة بعصره الذي رأى فيه أمته وقد بدأ نجمها في الأفول، فتسلط الأعداء في الأندلس يزداد يوماً بعد يوم، والصراعات والدسائس الداخلية على أشدها بين الحكام وأمراء الدويلات الإسلامية، والتطاحنات القبلية الغوغائية تبعث الخوف واليأس في كل أقاليم المسلمين..
وإذا كنت أنقد ابن خلدون بأنه تأثر بواقعه، فقد يكون رأيي متأثراً بواقعي، كما أنني لا أتفق مع ابن خلدون في مسألة ثبوت معدل دوران الدول الذي يضبطه على عمر الأجيال البشرية المقدرة بمئة سنة، فنحن نرى دولاً تزول وتخلفها دول خلال بضعة عقود، ونرى دولاً تتجاوز أعمارها عدة قرون كما هو الحال في الولايات المتحدة وغيرها، وبمعنى آخر فإن دورة الأجيال أكثر ثباتاً من دورة الدول، ولله الأمر من قبل ومن بعد..