هناك من يئن ويتباكى على بعض المواقع الإلكترونية التي اختفت فجأة بعد ضجيج وتحريض ونهش في أعراض الناس وترويج للفكر الإرهابي. برهنت تلك المواقع أن الإعلام لا يعتمد على الحقائق بقدر اعتماده على التكرار. تكرار الأقوال أو الأباطيل لتتحول تلك الأباطيل إلى جزء من ثقافة الأمة ويصبح مرددوها كأنهم من موجهي الرأي وشخصيات ينتظر كلمتها عند نشوب الأزمات وانبثاق الأحداث الساخنة. كادت بعض المواقع على الإنترنت أن تقلب مفهوم حرية الرأي المشوه أصلا.
أدى طول غياب حرية الرأي عن المواطن العربي وقلة إدراك هذا المفهوم أن تقبل الناس الكلام المفتوح على مصراعية دون أدنى مسؤولية سيما وأن كلمة مسؤولية (نفسها) تم تحطيمها على أيدي قيادات الإعلام العربي عندما حُرفت لتصبح غطاء لكبت الحرية والتعبير. الأمر الذي جعل المثقفين يتخوفون من استخدام هذه الكلمة التي كانت خصما لهم على مدى عقود. في الأزمنة الماضية صارت كلمة حرية ككلمة امرأة لا يمكن أن تذكر دون وثاق يعقلها حتى لا تذهب إلى دلالتها الطبيعية. تلاحظ أننا لا يمكن أن نتكلم عن حق المرأة دون أن نسارع ونقول (وفقا للضوابط الشرعية) وكأن الضوابط الشرعية لا تسن إلا للمرأة. والجميع يعرف أن الضوابط الشرعية أصل في كل شيء وليس حكرا على المرأة. انطبق هذا على كلمة الحرية. عندما نقول الحرية لابد من وثاق حيث نقول (الحرية المسؤولة). إذا كان المتطرفون فرضوا تعبير الضوابط على المرأة ومرروه على وسائل الإعلام فقد سبقهم الإعلاميون على تكبيل كلمة حرية بكلمة مسؤولية. رغم شرف الكلمات (المرأة والضوابط الشرعية) (الحرية والمسؤولية) إلا أن التقييد الذكي أدى إلى عرقلة تلك الكلمات في عقل المتلقي.
إذا حاولنا فصل الكلمتين: الحرية عن المسؤولية، وإعادة الاعتبار لكل منهما سنرى أن الحرية على الإنترنت هي أقرب إلى القيد وتشويه الوعي. حرية الرأي لا تصبح حرية إلا إذا دخلت ضمن نظام وأصبح القانون هو الذي يحمى الكاتب لا الظلام. الكتابة تنطلق من حق الإنسان الطبيعي في التعبير عن رأيه. والإنسان لا تكتمل أبعاد حريته إذا لم يكن له اسم وعنوان. فالإنسان الذي يتحرك في الظلام (جبريا) ليس حرا وبتالي لا يمكن اعتماد رأي من لا يملك حريته، فرأيه مقطوع الصلة بالمسؤولية (الحقيقية وليست المشوهة). الذي يقف في الظلام يستطيع أن يفعل أي شيء. يستطيع أن يشوه سمعات الناس وأن يروج للأفكار الهدامة وأن يعبث بالقيم أيضا. كاتب ردئ واحد بين كتاب الظلام يشوه كل ما يقوله الشرفاء الذين حُرِموا حق التعبير الطبيعي. الذين شبهوا بعض المواقع على الإنترنت بالهايد بارك لا يعرفون معنى حق التعبير. الوقوف في الهايد بارك يتم بحماية البوليس وبانتصاب صاحب الرأي أمامهم ويمكن أن يخرج الطرفان الرأي والرأي المضاد لشرب القهوة في أقرب مقهى بعد نهاية الجدل. أن ما نكتبه بأسمائنا الصريحة هو الطريق الوحيد لإقامة حرية الرأي وغياب مواقع الظلام ضوء يجب أن نسعد به.
فاكس 4702164
Yara.bakeet@gmail.com