كل شيء ارتفع، المستورد والمصنع محلياً أو المزروع محلياً الذي لا يدخل فيه أي جانب من الاستيراد.. والدولار ينخفض يومياً وبالتالي الريال السعودي المرتبط بالدولار وبأسعار الفائدة الخاصة به.. إذن فإن أي شيء تستورده المملكة من الخارج سيرتفع سعره لأننا نشتريه بعملة ضعيفة وهو الدولار.. وليس أمام المشتري السعودي إلا أن يدفع ريالات أكثر ليحصل على ما يحتاجه سواء سيارة مرسيدس أو مواد غذائية معلبة أو دواء أو غيرها.. إلا أننا أصبحنا مؤخراً نشتري الدواء بالريال السعودي (بعد القرار الوزاري الأخير بعدم الشراء بالدولار) بعد أن تضررت شركات الدواء السعودية المستوردة، ووصلت خسائر بعضها حداً يهدد وجود الدواء في السوق السعودية. والحل هنا ممكن وليس مستحيلاً، وهو رفع قيمة العملة السعودية شريطة رفع أسعار العملات الخليجية في الوقت نفسه، واحتفاظ البنوك بنسبة تبلغ حوالي 5% وبالتالي ارتفاع سعر الفائدة السعودية مما يقوي من قيمة الريال السعودي.
هذا فيما يخص ارتفاع الأسعار الخاصة بالسلع المستوردة. أما التضخم لأسباب محلية فحدث ولا حرج، فما هي أسباب ارتفاع الإيجارات المحلية مثلاً؟ ما هي أسباب ارتفاع الخضراوات والفاكهة المزروعة محلياً وما هو دخلها بالدولار، وغيره من العوامل؟ وارتفاع التضخم في السعودي بأكثر من الضعف في عدة أشهر - حسب إحصائيات بعض مراكز رصد الأسعار؟!
الجواب هو ارتفاع السيولة المحلية، وارتفاع المعروض النقدي، وانخفاض أسعار الفائدة المحلية بالتبعية للدولار، وارتفاع الإنفاق الحكومي بشكل هائل.. وتعال الآن نلجأ إلى التحليل:
أولاً أنه لا يد لنا كمستهلكين في العوامل الخارجية التي ساعدت على التضخم المحلي، لكن لنا يد في العوامل المحلية وأولها الإقلال من الإنفاق الحكومي الهائل كبناء خمس من المدن الاقتصادية في وقت واحد مما رفع أسعار مواد البناء وكلها محلية، أي زيادة الطلب مع ثبات العرض من الإنتاج المحلي مما رفع من أسعار الأسمنت والحديد. وخلق سوق سوداء للأسمنت المحلي يجب محاربته بشتى الطرق، بزيادة الرقابة على الأسعار وزيارة المفتشين من قبل وزارة التجارة لإحكام الرقابة على أسعار مواد البناء وزيادة الطاقة المحلية من الأسمنت والحديد وتوفير أعداد كافية من المراقبين في إدارة حماية المستهلك. وسمعنا أن بها ستة موظفين فقط. وإمكانية استحداث وكالة لشؤون التموين للإسراع في إحكام الرقابة وتبسيط إجراءات تسجيل الشركات الجديدة وتوفير العمالة اللازمة بإيجاد مراكز معلومات إلكترونية لتسجيل الأسعار بصفة يومية، والإسراع في إنشاء هيئة خاصة بالمقاولين تكون مسؤولة عن نقص المعروض في مواد البناء تجنباً لانعكاسات ارتفاع الأسعار وأثر ذلك على مستوى التضخم بصفة عامة، وإنشاء بنك لتمويل المقاولين السعوديين وبتكاليف منخفضة أسوة بتمويل المقاولين في الخارج.
أما أسعار المواد الغذائية، فالحل هو التوسع في الدعم الحكومي للسلع المستوردة، وضمان وصول الدعم للمستهلك النهائي عن طريق الإدارة العامة لحماية المستهلك بعد دعمها بأن يكون ذلك من أولويات وزير التجارة الجديد.
أما السياسة الحكومية.. أو زيادة الدعم المباشر لأسعار المواد الغذائية المستوردة كالأرز والحليب الجاف المستورد والزيوت والأدوية، وإحكام الرقابة على أسعار الخضراوات المحلية، فنحن لا نستورد الخضار بل زيادته جاءت كالزيادة بالتبعية، ويقول بائع الخضار لماذا أنا لا أرفع أسعار خضاري فكل شيء ارتفع وأنا كمواطن أقاسي منه، فلابد من رفع أسعار ما أتاجر فيه، وهكذا دواليك. فسعر سلعة مهمة كالأرز مثلاً يجر من ورائه ارتفاع الأسعار الأخرى حتى يعم التضخم أنحاء المملكة كافة.
عامل آخر مهم هو ارتفاع السيولة في أيدي فئة معينة من المواطنين مما رفع من أسعار الإيجارات لزيادة الطلب مع ثبات المعروض واحتياجه لمدة طويلة ليتوازن مع الطلب العام على الإيجارات، ولم يرتفع الإيجار فقط بل شمل ذلك العديد من السلع الأخرى، وكما قلنا في العنوان (من الجرجير إلى المرسيدس)، أي من السلع البسيطة إلى السلع الكبيرة، أي السلع المحلية والسلع المستوردة. وسيستمر التضخم في الارتفاع وذلك لعاملين: نمو المعروض النقدي رغم تصريح محافظ (ساما) بأن التضخم سيهبط في منتصف العام الحالي- والاقتصاديون يشككون في ذلك - والعامل الثاني هو انخفاض المعروض من المنازل مما يعني استمرار ارتفاع الإيجارات الذي وصل في مدينة جدة إلى 50%. وعلى الرغم من أن الدولة اتخذت خطوات كفيلة بخفض التضخم، إلا أنها لم تبدأ في العمل حتى الآن. أما بالنسبة لأثر العوامل الخارجية واستمرار خفض أسعار الفائدة الأمريكية (حتى لو نزلت إلى الصفر) حسب قول محافظ البنك المركزي الأمريكي لمحاربة الكساد بأن الهدف منه ليس خفض التضخم بل لتفادي الركود العالمي. وأن استمرار ارتفاع السيولة النقدية سببه محلياً هو استمرار خفض مستويات الفائدة بالتبعية للدولار الأمريكي، فالمعروض النقدي لدينا زاد إلى 815 مليار مقارنة بـ667 مليار في الوقت نفسه من العام الماضي حسب الإحصاءات الحكومية، وكانت للإجراءات الحكومية التي اتخذت مؤخراً لخفض السيولة كنوع من عوامل السياسة النقدية، وذلك بزيادة الاحتياطي الإلزامي للبنوك المحلية لمرتين متتاليتين حتى لا تؤدي كلفة الإقراض المنخفضة إلى توسيع أعداد المقترضين من البنوك مما يزيد من حدة التضخم.
* وكيل وزارة الصناعة والكهرباء (سابقاً)
ومدير عام بشركة الموارد القابضة حالياً