أغلق سوق الأسهم هذا الأسبوع عند 9783 نقطة رابحاً 11 نقطة في ظل حالة التذبذب التي لحقت به نتيجة مخاوف نشوب حرب في لبنان، حيث خسر المؤشر يوم السبت 269 نقطة أعقبها ارتداد الأحد عوّض خلاله 192 نقطة من خسائره .. وقد تمكن المؤشر بإغلاق الأربعاء من تعويض كافة خسائره والخروج رابحاً لنسبة طفيفة .. ومن أبرز مستجدات هذا الأسبوع تراجع سابك بنسبة 2.1% وخسارة الراجحي لنسبة 4.7% .. كما انتهى هذا الأسبوع اكتتاب المعجل بحصيلة 6.6 مليارات ريال، رغم أن القيمة المطلوبة هي 2.1 مليار فقط .. وقد أعلنت هيئة السوق منتصف الأسبوع عن طرح ثلاث شركات جديدة للاكتتاب (كيمانول واسترا ومعادن) بكمية أسهم 545.1 مليون سهم وبقيمة تقدر بحد أدنى بنحو 10 مليار ريال .. فهل السوق قادر على استيعاب هذه الأطروحات الكبيرة وخاصة أنه لا يكاد ينتهي من بترو رابغ وزين والإنماء؟ ومن جانب آخر، ماذا أضافت هذه الأطروحات للمستثمرين فيها؟ هل فعلاً عززت من أرباحهم؟
المؤشر الأسبوعي
انجرف مؤشر السوق هذا الأسبوع مرتين لأسفل بتأثيرات تقع ما بين عوامل حقيقية، نتيجة حالة قلق لدى شرائح من المتداولين من نشوب حرب حقيقية في لبنان، فالبعض يعتقد أنها ستترك تأثيراً على منطقة الخليج ككل، وما بين تأثيرات خداعية نتيجة شائعات مغرضة من قبل بعض مجموعات المضاربين لخلق مخاوف مبالغ فيها بأن السوق مقبل على فترة تستدعي الخروج والتصفية .. الأمر الذي دفع البعض إلى حركات بيع جماعية أدت إلى تراجع المؤشر يوم السبت الماضي بنحو 269 نقطة. بل إنه خلال ذات هذه الأيام سرت شائعات قوية بأن المؤشر في طريقه إلى الـ 8000 نقطة، رغم أنها لم تفصح عن السبب. وما لبثنا أن تم الإعلان عن طرح اكتتابات جديدة، وبالتالي على ما يبدو أن هناك من كان يعلم أو يتوقع طرح هذه الاكتتابات ... إلا أننا نعلم بأن الاضطراب السياسي في لبنان ليس جديداً، وحتى الاكتتابات في كل مرة تشهد تغطيات تفوق الحصيلة المطلوبة .. وبالتالي فإن ما يحدث في السوق إنما هو استغلال من المضاربين لنفسيات المتداولين لتحقيق مكاسب إضافية من فجوات البيع الجماعي المدفوع بالخوف.
السيولة ما بين شهور الخمول وغياب المحفزات
لا تزال السيولة المتداولة تشهد تراجعاً من أسبوع لآخر، حتى وصلت إلى مستوى متدنٍّ هذا الأسبوع عند 37.6 مليار بعد مستوى الـ 43 ملياراً الأسبوع الماضي .. ويرجع هذا التراجع إلى أن مثل هذه الشهور من العام (مايو ويوليو) يصيبها دائماً الخمول نتيجة بدء الإجازات وغياب محفز نتائج الأعمال .. بل لو أضفنا توالي الاكتتابات المخططة، لعلمنا أن السيولة يتوقع أن تشهد مزيداً من التراجع .. إلا إن المحفز المرتقب الذي يتوقع أن يخرج بمستوى السيولة إلى أفقه القديم هو إدراج مصرف الإنماء الذي يتوقع أن يحفز السيولة في اتجاهه.
تراجعات كبيرة في سابك والراجحي..
من الأمور الغريبة أن أسهماً معينة فجأة تشهد خمولاً وأحياناً تراجعاً وقد يكون كبيراً، على سبيل المثال سهما سابك والراجحي اللذان فجأة أصيبا بالخمول الشديد .. فقد خسرت سابك خلال الشهر الأخير نحو 11.4%، في حين خسر الراجحي خلال الأسبوعين الماضيين نحو 10%، ولا توجد مبررات منطقية تفسر هذه الخسائر .. هل أديا دورهما وانتهت مهمتهما؟ وأين تقييمات سابك التي خرجت بها إلى ما أبعد من الـ 200 ريال؟ .. إن شركة سابك تعيش بلاشك عصراً ذهبياً في ظل الارتفاع المذهل لأسعار النفط، ومن ثم التحفيز القوي لمزيد من تكرير النفط الخام .. ولكن مع ذلك، فإنّ ارتفاع سابك القوي خلال الـ 6 شهور الأخيرة انحسر خلال الشهر الأخير بما يجعل صعودها مضاربياً ولأغراض مضاربين .. أولئك المضاربون الذين أصبحوا يستغلون مستجدات حقيقية للشركات في عملياتهم الخداعية .. إن تغيرات سابك والراجحي لتثبت أن السوق أصبح أشد قسوة عن عهده في 2006، وأن من لن يتحصن بمنهج استثماري سليم، فسوف يتوهم الربح والنمو، في حين أنه سيخرج خاوياً في نهاية الأمر.
سياسة الخروج الاضطراري
يؤكد الكثيرون على أن سوق الأسهم قادر على استيعاب 100 شركة جديدة، وأنه لا مخاوف من نقص السيولة وأن التأثير على السوق إنما هو تأثير نفسي فقط ويستمر لفترة قصيرة .. نعم كل هذا صحيح .. ولكن من جانب آخر، فإن الاكتتابات المتتالية تخلق نوع جديد من الضغوط .. فالكل يعلم أن هناك ربح صافي وسريع من الاكتتاب في الشركات الجديدة. لذلك، فكافة المستثمرين في السوق (لو افترضنا أنهم 5 ملايين مستثمر) يرغبون في الاكتتاب في كل شركة جديدة يتم طرحها، ونظراً لضعف المقدرة الاستثمارية لشرائح واسعة من هؤلاء المستثمرين، وأيضاً نظراً لأنه أصبح لا يمر شهر، إلا وهناك طرح لعدة شركات يتخللها شركة كبيرة غالباً ، فإن قوى الاستثمار لغالبية المستثمرين تضعف ولا تجد أمامها سوى إتباع سياسة التخارج من الاكتتاب السابق للدخول في الاكتتاب الحالي أو اللاحق .. أي أنه لا مفر من انتظار رد الفائض ثم بيع أسهم الاكتتاب في الشركة الجديدة بمجرد إدراجها في السوق للدخول في الشركات التي سيبدأ طرحها .. وهنا يثار الجدل حول: هل الاكتتابات الجديدة تزيد من عمق السوق فعلاً؟ لأنه في نهاية الأمر فإن غالبية المستثمرين يخرجون من الشركات الجديدة ثم يتركونها لفئات وشرائح معينة وقليلة باتت هي المالك الأكبر فيها .. وبالتالي، فإن ربح الإصدار الأولي هو فقط الذي يكون من نصيب المستثمرين العاديين، في حين أن الربح الاستثماري الحقيقي يكون في الغالب من نصيب كبار المستثمرين الذين يحرصون على تجميع حصص كبيرة من الشركات الاستثمارية المطروحة حديثا، على سبيل المثال كما حدث مع كيان وزين بترورابغ أولئك الثلاثة التي شهدت ركودا في أسبوع إدراجها الأول (أسبوع تجميع كبار المستثمرين)، ثم ما لبثت أن تحركت بقوة بعد فترة ما بين شهر إلى شهرين.
اشتراط الـ 5%..
البعض يأخذ هذه النسبة بمفهوم خاطئ، حيث يعتقد أنها تحجم ملكية كبار المستثمرين في السوق بحيث لا تزيد على 5%، إلا إن الصحيح هو أن النظام يمنع زيادة حصة أي مستثمر عن 5% في شركة معينة، ولكنه لا يمنع مثلاً امتلاك 5% من كل شركة من الشركات الـ 115 مثلاً. وعليه، فلا يمنع أن نجد مستثمراً وحيداً في السوق يمتلك حصة مثلا بنحو 90 مليار ريال نتيجة امتلاكه حصصاً تعادل 5% من كل شركة (افتراض خيالي) .. ولكن قد نجد افتراضات أخرى ممكنة محققة في السوق بأن يمتلك كثير من المستثمرين محافظ تحوي نسب تعادل 5% من 20 أو 30 شركة مثلا، وهنا يكون حجم المحفظة أيضاً إلى نحو 20 مليار مثلاً .. إن مثل هذا الافتراض لن يؤثر فيه زيادة عمق السوق من خلال الاكتتابات الجديدة، لأن تركز الحصص هنا كفيل بخلق مسار السوق بصرف النظر عن اتساع قاعدة الملكية، حيث إن الاتساع أفقي ومهما امتد، فإنه يتحرك في سياق ضعيف، في حين أن تركز الحصص رأسياً ومتغلغلاً وقادراً على توجيه مؤشرات القطاعات، ومن ثم مؤشر السوق كما يريد. أي أن زيادة عمق السوق لن يعالج مشكلة احتكار كبار المستثمرين لمؤشر السوق، والحل يتطلب التفكير في وضع سقف أعلى لملكية المستثمر الواحد في السوق ككل.
(*) محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com