Al Jazirah NewsPaper Friday  16/05/2008 G Issue 13014
الجمعة 11 جمادى الأول 1429   العدد  13014
نحن والغرب.. وحقوق الإنسان
إبراهيم بن سعد الماجد

كلما قلنا سكتوا جاء ناعقهم، وكلما ظننا أنهم اقتنعوا عادوا يعزفون على نفس الموال (حقوق الإنسان). يدعون أننا أمة لا تعرف لهذا الإنسان حقوقاً وأنها لا تقيم له وزناً، يحاولون جاهدين أن تكون لهم الوصاية على هذا الإنسان،

وأن تكون لهم اليد الطولى في أخذ حقوقه، وكأنهم لا يدركون أو أنهم فعلاً لا يدركون أن أول حقوق شُرعت في ديننا الإسلامي الحنيف هي حقوق الإنسان، وذلك قبل أن يعرف الغرب أبجديات حقوق الإنسان، بل إنه كان في تلك المرحلة يمارس أقسى أنواع الاضطهاد للإنسان، وهو اليوم يعاود ممارسة هذا العنف اللا أخلاقي مع جميع مَن خالفه ولو في الرأي، ويأتي إلينا مدعياً منافحته عن الإنسان وحقوقه، وهو أكبر مغتصب لهذه الحقوق.

جُيشت الجيوش، وأُسعرت الحروب، وأُبيد الإنسان والحيوان، وأُهلك الحرث من أجل حقوق الإنسان..! عجباً لهذا العالم (الديموقراطي)، كيف يدعو إلى حفظ حقوق الإنسان وهو له قاتل ومشرد وظالم..؟!

عالم غريب وعجيب، يدعي الحرية والديمقراطية وهو لها وائد!

(إن الإسلام يمنح الإنسان قيمة تفوق كل قيمة سياسية أو اجتماعية؛ لأنها القيمة التي يمنحها له الله في القرآن الكريم في قوله: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} فهذا التكريم يكون - أكثر من الحقوق أو الضمانات - الشرط الأساسي للتعبير اللازم في نفس الفرد، طبقاً للشعور الديمقراطي سواء بالنسبة للأنا أم بالنسبة للآخرين. والآية التي تنص على هذا التكريم تبدو وكأنها نزلت لتصدير دستور ديمقراطي يمتاز عن كل النماذج الديمقراطية الأخرى..)(1).

إنّ الطامة الكبرى ليست في عدم إدراك الغرب ما لدينا من نظام دقيق لحقوق الإنسان، ولكن في عدم فَهم بعض أبناء المسلمين لهذا الدستور العظيم الذي نظّم للدولة والشعب الحقوق، فجعل لكل طرف مسؤوليات وحقوقاً، فكما أن لولي الأمر حقاً، فكذا للمواطن حق، بل إن الإسلام عظّم من هذه الحقوق وأغلظ في عقوبة مَن استهان بها.

لقد اعتنى الإسلام بالإنسان منذ تكوينه في بطن أمه؛ فحرّم الإجهاض، بل قبل ذلك أوجب حفظ الأنساب بتحريمه الزنا، وحفظ حقوقه بعد أن صار طفلاً رضيعاً بأن أوجب على الأب الإنفاق على الأم ولو كانت في غير عصمته قبل الفطام، بل حتى تنتقل الحضانة، واعتنى به في مراحل عمره المختلفة إلى أن يُبعث، فجعل الإسلام حرمه المسلم الميت كحرمته حياً، فكانت المقابر ذات حرمة لدى المسلمين.

ورغب في منح الحرية للآخرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضواً من أعضائه من النار).

وحذر من الاعتداء على المملوك ولو كان هذا الاعتداء يسيراً؛ يقول عليه الصلاة والسلم: (من لطم مملوكه وضربه فكفارته أن يعتقه).

وأوصى بالرقيق كما في قول رسول الهدى عليه الصلاة والسلام: (أوصاني حبيبي جبريل بالرفق بالرقيق، حتى ظننت أن الناس لا تستعبد ولا تستخدم).

إنّ دين الإسلام جعل للإنسان كرامة لم تكن تُعرف قبل ظهور هذا الدين العظيم؛ فجعل من العبد المملوك إنساناً كامل الإنسانية، له حقوق وعليه واجبات، لا يختلف في المصير عن سيده، فأضيف بذلك لأول مرة إلى عالم الإنسان بعد أن كان يضاف إلى عالم الأشياء المادية. لقد وضع سيد البشر عليه الصلاة والسلام دستوراً لحقوق الإنسان في خطبة الوداع عندما قال: (يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أبيض، ولا لأبيض على أحمر، فضل إلا بالتقوى..).

إذاً هي علاقة الإنسان بالله وحده هي التي تفضله، فكلما كان أتقى كان أفضل. وقد نظر الإسلام إلى الإنسان في حالة الحرب، تلك الحالة الاستثنائية التي لا ينظر إليها العالم اليوم إلا نظرة فرض القوة والجبروت، وما حال الشعوب التي نالت نصيبها من الحروب القذرة في هذا العصر إلا شاهد حي على إهدار حقوق الإنسان لدى المجتمع الغربي في حالة الحرب. لقد نظر الإسلام إلى تلك الحالة نظرة خاصة جداً، بل فكّر رسول الهدى في حال الإنسان قبل أن تبدأ الحرب، فأوصى معاذاً يوم بعثه لليمن بالمرأة والطفل والشيخ، بل والراهب في صومعته أوجب له عليه الصلاة والسلام الأمان.

إننا في ظل هذه الهجمة الغربية على النظام الإسلامي بحاجة إلى طرح مشروعنا الإسلامي المقر منذُ ما يزيد على ألف وأربعمائة عام على بساط النقاش للتحاور مع الآخر، وذلك بعد أن نحاور أنفسنا (شعوباً وقيادات) من أجل تطبيق دستور حقوق الإنسان في الإسلام، ذلك الدستور الذي لا نشك في شموليته وكماله وعدله، ولكن الذي جعل الآخرين يشككون في نظامنا الإسلامي هو عدم أخذنا بهذا النظام العظيم، وتيهنا في دهاليزهم باحثين عن قانون يحفظ لنا هذه الحقوق..!!

إذاً ما حلّ بهذه الأمة ليس من الآخر، بل: {.. قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ}. تحريف وتصحيف وتعطيل لدستور متكامل لا يحتاج إلى هيئات وإلى أي اجتماعات من أجل صياغته، بل إنه كامل الأركان متماسك البنيان، حافظاً لكافة الحقوق، لا يمكن أن تغيب عنه مسألة صغرت أو كبرت، فلا يقبل أن يتعالى محكوم على حاكم، أو يتجبر حاكم على محكوم، بل ضبط هذه العلاقة بما يكفل تماسك الدولة وبقاء بنيانها شامخاً ضد أي عدو متربص.

وبعد.. فإنها دعوة نوجهها إلى عقلاء الغرب المعنيين بحقوق الإنسان بأن يستفيدوا من نظام حقوق الإنسان في الإسلام كما هو النظام المالي الإسلامي الذي اعترف بعدالته وقوته علماء الاقتصاد الغربي، وآمنوا بأنه المنقذ الوحيد لهذه الانهيارات الاقتصادية المتلاحقة.

والله المستعان.

(1) مالك بن نبي - القضايا الكبرى.


لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5968 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد