Al Jazirah NewsPaper Friday  16/05/2008 G Issue 13014
الجمعة 11 جمادى الأول 1429   العدد  13014
إنها منتنة..!!!
د. عبد الرزاق بن حمود الزهراني

من المؤشرات التي ابتدعها بعض الجهلاء تصنيف المجتع إلى 110 و220، وهذا التصنيف جاء تبعاً لأنواع التيار الكهربائي، فـ 110 فولت أقل قوة من 220 فولت، وكأنهم بذلك يعنون أن القبيلي ينتمي إلى الفئة الثانية أما غيره فينتمي إلى الفئة الأولى،

وهذا تفريق مخالف للدين ولروح العصر، ويجب علينا أن نحاسب الناس ونؤاخذهم بما لهم إراردة فيه، أما الأشياء التي ليس لهم إرادة فيها مثل اللون، والطول والقصر، وكونه من هذه القبيلة أو تلك، أو من هذه العائلة أو تلك فهذه أمور لا إرادة للناس فيها، فالله هو الخالق، ولا يستشير الناس في هذه الأمور، ولكنه سبحانه زود الإنسان بإرادة وجعله مكلفاً وسوف يحاسبه على استخدامه لتلك الإرادة، فهو يمكن أن يكون أميناً مجتهداً وفياً كريماً صادقاً إلى آخر تلك الصفات النبيلة والراقية، ويمكن أن يكون عكس ذلك وهنا تكمن قيمته إيجاباً وسلباً، وقديماً قيل: (من أبطأ به أدبه لم يسرع به حسبه) فما فائدة أن يكون الإنسان من أسرة أو قبيلة عريقة وهو يوصف بالخسيس من الصفات، ويمارس الدنيء من الأعمال، ويتعاطى المخدرات، ويتركب الجرائم، ويقع في سفاسف الأمور؟!!! وعلى العموم فإن الناس جميعاً من أبناء آدم، واختلاف الألوان سببه البيئة كما يقول ابن خلدون.

ولقد جاء الإسلام والعرب يعيشون في جاهلية جهلاء، قوامها التفاخر بالأنساب والأحساب، والقتال والاقتتال من أجل ذلك، وكانت كلمة (بر) تعني الولاء للقبيلة، فأبطلها الرسول الكريم وجعل كلمة (بر) خاصة باحترام وتقدير وطاعة الوالدين.

وركز الإسلام على إبراز أن الناس خلقوا سواسية، وألغى جميع الفروق، وجعل التفاضل في أمر واحد فقط هو طاعة الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }(13) سورة الحجرات. وحارب الرسول العصبية بجميع صورها، ومما قاله فيها: (دعوها فإنها منتنة) وقال: (من مات على عصبية مات ميتةً جاهلية)، وعندما قال أبو الدرداء لبلال: (يا ابن السوداء)، قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنك امرؤ فيك جاهلية)، فما كان من أبي الدرداء إلا أن تمدد على الأرض وطلب من بلال أن يطأ برجله على عنقه ليكفر عن الخطأ القبيح الذي وقع منه، وجعل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أفضل خاصية للمرأة عند التفكير بالزواج منها تدينها، ووضعه قبل حسبها ومالها وجمالها. وآخى الإسلام بين المؤمنين، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}

(10) سورة الحجرات. وقال الرسول صلى

الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر). وقال: (لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى)، والإسلام بهذا يجعل التفاصيل بين الناس بالعمل والدين وليس بالحسب والنسب، ومع هذا لم يلغ الإسلام تأثير المنبت والأعراق فقد ورد في الأثر: (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) ولا أعتقد أن في هذا دعوة للعصبية، فوراثة الخصائص تتم في جميع الفئات، فإذا كان هناك أسرة تشتهر بقلة الإنجاب، أو بقلة الذكاء فإن هذا قد ينتقل عن طريق الجينات إلى فروعها، ومن هنا جاءت الدعوة للتخير للنطف خشية انتقال الأمراض والصفات الوراثية النفسية والجسدية والعقلية. والتفاخر بالحسب والنسب مرتبط بدرجة الجهل، والدراسات تشير إلى أن هناك علاقة طردية بين الاثنين، فكلما زاد الجهل زاد التفاخر بالحسب والنسب، وكلما زاد الوعي والعلم قل التفاخر بالحسب والنسب.

* أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام - رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية


zahrni111@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد