من أشدّ ما يرعب الإسرائيليين هي الصور - الثابتة والمتحركة - التي تفضح جرائمهم أمام العالم، وخصوصاً العالم الغربي، الذي يزعمون الانتماء إلى حضارته عبر ادعائهم الحرية والديمقراطية. ومن هذه الصور التي أبكت العيون العربية وهزَّت الوجدان العالمي صورة محمد الدرة، ذلك الطفل الفلسطيني المسكين وهو يحتمي بأبيه من وابل الرصاص الإسرائيلي في غزة التي اغتالت براءته، في حين أن والده كان ينتحب من هول الفاجعة التي باتت رمزاً من رموز القمع الإسرائيلي، وشاهداً من شواهد وحشية الدولة العبرية.
مضت على تلك المأساة قرابة ثماني سنوات، ولكن رعب الصورة باقٍ، فالقصة تعود من جديد للنقاش أمام المحاكم الإسرائيلية، إذ طالب مكتب المحاماة الإسرائيلي القومي المتطرف (شورات هادين) الاثنين الماضي المحكمة العليا الإسرائيلية بسحب بطاقات اعتماد مراسلي قناة (فرانس 2) الفرنسية العامة بحجة أنهم فبركوا تلك الصورة. والسبب هو كما قالت محامية المكتب نيتسانا لينر إن هذا (التركيب ألحق ضرراً هائلاً بصورة إسرائيل في العالم).
ولا شك أن صورة عن جرائم إسرائيل تغني عن آلاف المقالات في ذات الصدد، وخاصة ونحن اليوم نعيش فضاءً إعلامياً واسعاً، ونعايش شبكة إليكترونية أوسع، مما يجعل للصور وقعاً أكبر وتأثيراً أسرع.
طبعاً الصورة لم تكن مركبة أو مفبركة، ولو كانت كذلك لتم اكتشافها بسهولة في حينه وخاصة وأن القضية عرضت مراراً على المحاكم الفرنسية التي حكمت على المدعين بالقذف، كما أنه ليس للقناة الفرنسية مصلحة في فبركة الصورة، فهدفها هو نقل الصورة كما هي، ولو كان الطفل إسرائيلياً، والقتلة فلسطينيين لما تأخرت القناة في التقاط تلك الصورة ونشرها للعالم.
مدير القناة الفرنسية في القدس شار انديلاين قال إن هذه المحاكمة (تندرج ضمن حملة مغرضة مستمرة منذ ثماني سنوات بسبب تأثير تلك الصورة، وهي حملة غايتها نزع الشرعية عن عمل الصحافيين).
لا يُعرف كيف ستقضي المحكمة الإسرائيلية في هذه الدعوى، ولكن مهما كان الحكم، فإن الصورة قد وثقت بكل وضوح جريمة إنسانية لا يمكن نسيانها، ولكن يبدو أن ذاكرة العالم الغربي ضعيفة!
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244