لم أجد وصفاً أدق للمصيبة التي نعيشها كل يوم من وصفها بالكارثة الدائمة.. فالكوارث نوازل تحل بالمجتمعات ثم تنقشع.. ويكون الزمن الفاصل بين الكارثة والأخرى جيلاً وربما أجيال.. إلا أن كوارث المرور لدينا تظل هي الحدث الأبرز والأهم كل يوم في حياتنا حتى صارت ظاهرة مستديمة.
حوادث المرور بإصاباتها ووفياتها ومعاقيها وخسائرها المادية تحولت عندنا في المملكة من حالات تقاس بمقاييس مدنية إلى كوارث بمقاييس حربية.. ورغم اعتراف الجميع بحجم المشكلة وهول تأثيرها على الدولة والمجتمع إلا أن الناس لا تدري لماذا لم يرتق التعامل معها حتى الآن إلى مستوى الأضرار الناجمة عنها.. ويتساءلون هل ذلك لعدم القدرة.. أم لعدم المبالاة؟.
نحن لسنا بدعاً بين الناس والشعوب الأخرى.. فلماذا نجحوا هم وفشلنا نحن في الحد من - ولا أقول إيقاف - حالة التقتيل اليومية التي استمرت أكثر من أربعين سنة وبنسبة ارتفاع ثابتة سنوياً؟.
إنني واحد من ضحايا حوادث المرور التي أعاقت وفتكت بالعديد من أهله وأقاربه ومعارفه، وأشعر أنها قضية شخصية.. ولهول النتائج المترتبة عليها فإن الكل يتساءل: كيف أخفقت الجهات المسؤولة في إيجاد حلول لهذه الكارثة الوطنية المستمرة؟.. والباحث في هذا الأمر يجد أن الجهات المعنية في محاولتها لحل هذه القضية قد ركزت على مسار واحد.. بينما القضايا الوطنية الكبرى لا يمكن مواجهتها وحلها إلا بتفعيل كافة المسارات.
ولو نظرنا إلى عناصر قضية حوادث المرور لوجدنا أنها السائق، والطريق، والسيارة.. وإدارة المرور.. وفي هذه المقالة سوف أركز على السائق وإدارة المرور.. فالسيارة ليست من صنعنا أما طرقنا فهي من أفضل الطرق في العالم.
نجح المرور يوماً ما في أن يفرض الالتزام بعادة ربط الحزام.. لكن قضية الإرهاب والتفجيرات الإرهابية ألقت في الحضن هماً أكبر من ربط الحزام فتم نسيان أهميته وفرض الالتزام بربطه.. والسؤال الآن هو: إذا كان المرور قد نجح في فرض سلوك ربط الحزام ولو لبرهة وجيزة لكنه نجح على أية حالة.. إذاً لماذا لا يستطيع أن ينجح في الحد من حوادث المرور بفرض النظام الذي يلغي مسببات وقوع الحوادث؟.
إحصائيات الحوادث التي تشير إلى (283684) حادثاً مرورياً و(5883) حالة وفاة فورية لعام (1427هـ) فقط تثبت أننا مجتمع ترك قاعدة (درهم وقاية خير من قنطار علاج) ليباشر مهام العلاج ويعاني من مآسيه ويقاسي مصائبه.. وتؤكد ذلك المطبوعات الإحصائية لوزارة الداخلية التي توضح أن عدد الحوادث يتضاعف سنوياً.. وما زلنا في شوارعنا نرى من السائقين من لا يلتزم بأبجديات التعامل مع المرور.. والغريب أن أغلب هؤلاء ليسوا صغاراً مراهقين بل هم من كبار السن.. ولا شك أن الاستهتار ليس هو السبب الوحيد فهناك أسباب أخرى على رأسها الجهل والغفلة.. ولو ذُكِّر السائق بأخلاقيات المرور بشكل لائق لقام بممارستها كعادة يومية.
إذاً المطلوب تغيير عادات وسلوكيات السائق للوصول إلى حلول تحد من عدد الحوادث وتقلل حالات الاختناقات المرورية وتيسر انسيابية المرور حتى لا يرتفع ضغط السائق فيسرع كردة فعل طبيعية.