نشرت بعض الصحف -من بينها جريدة الجزيرة- جزءاً من السيرة العملية لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وتحدثت عن خمسة وخمسين عاماً من العطاء والمسؤولية الإدارية، والعمل الرسمي المتواصل، وأشارت إلى مواقف متميّزة له تدل على دراية بأمور الحكم والسياسة، ومعرفة متميّزة بما يناسب المقام من المقال والفعال، كما أشارت إلى إطلاع أبي فهد، وحرصه على القراءة، وعلاقته بالمثقفين والإعلاميين علاقة المتابع، الناقد، الذي يتفاعل مع المعلومات الثقافية تفاعل القارئ الواعي. وهنا أقف قليلاً للحديث عن علاقة أبي فهد -وفقه الله- بالثقافة، والقراءة، وعن صداقته الراسخة مع الكتاب.

لقد لمست من سموه الحرص على الاطلاع على كل جديد في مجالات الثقافة المتعددة، وعرفت منه الاهتمام بالأدب والشعر، والتذوّق العالي للنصوص الأدبية شعراً ونثراً، ومن الأمثلة على ذلك الموقف التالي:

صدر لي عن مكتبة العبيكان كتاب (وقفة مع جرجي زيدان) وهو عبارة عن فصل من فصول رسالتي للدكتوراة بعنوان (البناء الفنّي للرواية التاريخية الإسلامية المعاصرة) تناولت في حديثي عن جرجي زيدان علاقة هذا الكاتب النصراني بالتاريخ الإسلامي، ودرست رواياته التي صدرت تحت عنوان (روايات تاريخ الإسلام) دراسة موضوعية هادئة، حرصت فيها على معرفة حقيقة تعامل هذا الكاتب مع أحداث التاريخ الإسلامي، ومدى مراعاته للحقائق التاريخية الثابتة، ومدى التزامه بالأمانة التاريخية، وأوصلتني الدراسة والبحث إلى مدى تشويه أحداث ومواقف وأشخاص التاريخ الإسلامي في روايات جرجي زيدان، وكيف استطاع هذا الكاتب أن يحوّر أحداث التاريخ، ويزيّف بعض الأحداث، ويغيّر مسيرة كثير من شخصيات الإسلام التاريخية تغييراً مخالفاً لأيسر ضوابط الأمانة التاريخية في العمل الروائي التاريخي.

وبلغني ذات يوم اهتمام الأمير سلمان بن عبدالعزيز بموضوع جرجي زيدان، ورغبته في قراءة كتابي (وقفة مع جرجي زيدان) وسعدت بإهداء الكتاب إلى سموّه، وكانت المفاجأة التي جعلتني أقدّر حرص أبي فهد على القراءة -ما شاء الله تبارك الله- برغم مسؤوليات العمل، وسعة دائرة علاقاته داخل المملكة وخارجها.

فقد اتصل بي في ليلة اليوم الذي تسلّم فيه الكتاب ليناقشني في آرائي فيه بعد قراءته، ومعنى ذلك أن أبا فهد -وفقه الله- قد قرأ الكتاب في ذلك اليوم الذي أهديته فيه إليه، وهذا يدل على حب للقراءة يجعلنا نغبطه عليه.

مما قال لي: لقد قرأت في كتابك ما يمكن أن يسمّى قلباً لموازين الحكم على جرجي زيدان، فقد قرأت رواياته كلها - والكلام لأبي فهد- منذ سنوات طوال، وهي روايات مليئة بالقصص الغرامية التي تغري القراء وخاصة الشباب، ولا شك أنها -كما تبيّنت في كتابك- تخالف الحقيقة التاريخية وتسيء إلى نقاء تاريخنا وصفائه.

إشارة:

هكذا يكون الرجال ثقافة وتحملاً للمسؤوليات.