كثير من مظاهر التخلف تتجلى في مجتمعاتنا الفتية، وهي مظاهر مخالفة للإسلام المكون الرئيسي لثقافتنا فضلا عن مخالفتها للعقل والمنطق، وما هو قائم في الدول المتقدمة التي امتلكت معظم عناصر القوة فأصبحت تتحكم في مصيرها ومصير الأمم الأخرى.
ومن مظاهر التخلف المؤلمة ذات الآثار السلبية على قوة وتماسك المجتمع ما نشاهده اليوم بشكل أكثر حضورا الافتخار بالأنساب والطائفة والمنطقة وإضفاء صفات التفوق والتميز والتفرد على المنتسبين أو المنتمين لها أو المعتقدين بها، والمقرون بإضفاء صفات الانحطاط والتقليدية والتخلف على الآخرين، ولاشك أن هذا يتنافى مع صريح القرآن الذي احترم الإنسان لإنسانيته، وحثنا على التعارف مع بيان محور التكريم عند الله وهو التقوى؛ حيث قال جل من قائل في سورة الحجرات: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، وما قاله رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم-: (ومن بطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه) رواه مسلم في صحيحه.
وبظني أن المشكلة - كما أراها واضحة- تتمثل بغياب معايير عملية وعلمية للتنافس بين الناس في بلادنا بما يؤدي بالمحصلة لتطور البلاد والعباد معا، وهو ما أدى إلى العودة للرمم (الأموات وما أنجزوه في حياتهم ) للتفاخر، والعودة للطائفة وما تتميز به عن الطائفة الأخرى، والعودة للمنطقة وما تتميز به وما أنجز رجالها في سالف الأزمان، وهي معايير ستفضي إلى مفاضلة بين الناس دون بذل أي جهد من أي طرف، حيث يحقق البعض مكاسب على حساب الآخرين، مكاسب ترضي نفوسهم وتدخل الآخرين في دوامة من الحزن والألم ليندبوا حظهم العاثر لأنهم ليسوا من القبيلة أو المنطقة الفلانية أو المذهب الفلاني، ولاشك أن ذلك سيؤول بالخسائر السلبية على البلاد والعباد في المحصلة.
كيف لنا أن نعود بالمجتمع إلى المنافسة الشريفة المنطقية من أجل مواطنين منتجين متعايشين بسلام في ظل دولة توفر لهم كل متطلبات التنمية التي تعود على الجميع بالفائدة كمحصلة، الحل واضح في ديننا العلم والعمل والإنتاج، وهو ما عملت به الدول المتقدمة، علم وعمل وإنتاج يؤدي إلى وجود عدالة في التقييم فكل مواطن متاح له أن يتعلم، ومتاح له أن يعمل، وأن يحقق أعلى مستويات الإنتاج بما يبذله من جهد ليرتقي بنفسه ليجد التقدير، وليفخر بالهمم لا بالرمم كما يقال.
إذاً علينا أن نزرع ثقافة الإنتاج في أذهان المواطنين ليكون الإنتاج المبني على العلم والعمل هو المعيار الرئيسي للتقدير المجتمعي، أما هو خلاف ذلك فهي أمور لا دخل للإنسان بها ولا يحاسب عليها فلا أحد منا يستطيع أن يبذل جهدا ليكون ابنا لعائلة أو قبيلة معينة أو أن يكون أبنا لمنطقة معينة هي دار آبائه وأجداده، ولا أحد منا يستطيع أن يحدد دين أو طائفة أهله لتصبح مسبة عليه.
*****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7842 ثم أرسلها إلى الكود 82244
alakil@hotmail.com