ستون عاماً مرّت على نكبتنا أو إذا شئت (على استقلالهم) هم يحتفلون بهذا (الاستقلال) ونحن نحيي ذكرى نكبتنا!!!
كيف يمكن أن يُقابل الاستقلال لدى طرف ما نكبة لطرف آخر؟! إنها الحالة الفريدة في التاريخ وفي العالم المعاصر أن يكون استقلال مجموعة بشرية ما نكبة لمجموعة بشرية أخرى، إنها حالة شاذة في التاريخ السياسي ومآلها إلى زوال، حيث ستختفي هذه الحالة باختفاء مسبباتها، إنها ليست نتاجاً طبيعياً وفق قوانين التحرر والاستقلال التي شهدها العالم القديم أو المعاصر على السواء، إنها نتاج العلاقة التي ارتبطت بها الحركة الصهيونية بحركة الاستعمار الغربي في القرنين التاسع عشر والعشرين، فأنتجت دولة غاصبة فوق أرض فلسطين، واستخدمت عناصر بشرية غريبة عن الإقليم لا يربطها به سوى الأساطير الغيبية والشعور بالمأساة والاضطهاد الذي تعرضت له في أماكن مختلفة من بلاد الغرب دون غيرها.
ستون عاماً والكيان الصهيوني يحتفل بهذا الميلاد الشاذ (للدولة الإسرائيلية) ويستمر في تزييف الحقائق التاريخية والموضوعية فوق إقليم فلسطين مدَّعياً أن الحركة الصهيونية ما هي إلا (حركة تحرر قومي للشعب اليهودي) خاضت حرب تحرير وطنية ضد الاستعمار البريطاني وضد الشعب الفلسطيني وأنجز استقلاله في 15 أيار 1948م.. هذا التزييف الذي يستند إلى رواية مقلوبة ما زالت تتوافق وتتحالف موضوعياً ووظيفياً وبنيوياً مع مصلحة القوى الاستعمارية المهيمنة على النظام الدولي يستمد عناصر بقائه واستمراره من هذا التوافق والتحالف.
إن هذا الاستقلال (الإسرائيلي) هو النكبة الكبرى أو الكارثة الكبرى بالنسبة للفلسطينيين، وتتمثَّل تجلياتها في اغتصاب أرض الإقليم الفلسطيني وتشريد الفلسطينيين ليصبحوا لاجئين منزوعي الهوية وبدون وطن أو دولة ينتسبون إليها، نعم إنها النكبة والكارثة المركبة التي لا يمكن تفكيكها وزوال آثارها ونتائجها المدمرة على فلسطين الأرض والشعب إلا بعد سقوط صفة اللاجئ والنازح عن الفلسطيني وعودته إلى وطنه واستعادة إقليمه وهويته المصادرة، وممارسة شعب فلسطين لحقوقه المشروعة في وطنه فلسطين وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة.
هل يتذكر الإسرائيليون أن الانتداب البريطاني على فلسطين (1918م - 1948م) هو الذي هيأ جميع الظروف لهذا الاستقلال الذي يحتفلون به والذي يدَّعون أنهم خاضوا حرب تحرير وطنية من أجله ضد الانتداب البريطاني؟!!
ألا يتساءل الإسرائيليون عن عدد اليهود في فلسطين قبل الانتداب؟ إن الحقيقة الديمغرافية تؤكد عدم وجود أكثر من بضعة آلاف يهودي بين أغلبية عربية مسلمة ومسيحية كانت تزيد عن مليون ومئتي ألف مواطن، أليس كذلك؟!! فهل مثل هذا العدد من الأقلية اليهودية كان قادراً على أن يتطور وأن يناضل ضد الأغلبية السكانية لإقليم فلسطين وطرد الفلسطينيين وإقامة دولة إسرائيلية فوق إقليم فلسطين بدون الرعاية الاستعمارية التي خضعت لها فلسطين في ظل الانتداب، وبدون تدفق سيل من الهجرة البشرية المنظمة والمرعية من قِبل قوى دولية لإنجاز مثل هذا الهدف الجهنمي وغير العقلاني؟!!
لقد ارتكبت الصهيونية عشرات المجازر في حق الفلسطينيين ومارست الإبادة البشرية والتطهير العرقي للفلسطينيين ودمرت أكثر من خمسمائة وخمسين مدينة وبلدة وقرية فلسطينية وأزهقت آلاف الأرواح الفلسطينية البريئة ومارست مختلف أشكال الإرهاب لترويع المواطنين الفلسطينيين وإرهابهم لدفعهم إلى إخلاء بيوتهم وقراهم ومدنهم، كل ذلك جرى بالرعاية والدعم الكاملين من قِبل دولة الانتداب البريطاني في حينه، هذا هو الاستقلال الذي يحتفل به الإسرائيليون سنوياً منذ عام 1948م وإلى اليوم حيث يحتفلون بالذكرى الستين لاستقلالهم المزعوم.
ولنا أن نتساءل وللإسرائيليين أن يتساءلوا عن عدد الحروب التي خاضها كيانهم منذ استقلاله وإلى الآن مع الفلسطينيين وأشقائهم العرب؟!!
ولماذا تستمر مثل هذه الحروب إذا كانت هذه الدولة المزعومة هي دولة طبيعية في إقليم الشرق الأوسط؟!! إن استمرار هذه الحروب وتواصلها منذ نشأة إسرائيل وإلى الآن يطرح على الإسرائيليين أسئلة عديدة، من بينها لماذا هذه الحروب وإلى متى ستستمر؟! وكيف لدولة حديثة الاستقلال أن تقوم بكل هذه الحروب المتواصلة ضد الفلسطينيين وضد دول المنطقة؟!!
إن الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها تكشف طبيعة هذه الدولة التي تمثل شذوذاً سياسياً وقانونياً وتاريخياً واجتماعياً في المنطقة، كما أنها تكشف لنا أزمة استقلال إسرائيل المزعوم وتطرح في نفس الوقت أزمة وجودها من أساسه وتكشف عن شيطانية أهدافها المرسومة واستغلالها ليهود العالم في تنفيذ وإدارة أدوار استعمارية لا علاقة لليهود واليهودية بها من قريب أو بعيد وإن بدا في الظاهر أن هذا الاستقلال مصلحة لليهود ولليهودية وإنما في حقيقة الأمر لا يعدو عن كونه توظيفاً واستثماراً في المشروع الاستعماري الغربي فوق إقليم فلسطين.. واليهود واليهودية فيه مجرد أداة وضحية في نفس الوقت!!!
فهل يدرك الإسرائيليون حقيقة هذا الاستقلال الذي يحتفلون به للمرة الستين؟!!
إن استقلال إسرائيل نكبة بكل المقاييس الأخلاقية والقانونية والتاريخية والاجتماعية والسياسية للفلسطينيين وهو لعنة على الصهاينة، ستبقى تلاحقهم ولن تتركهم أبداً، فالفلسطينيون يحيون ذكرى نكبتهم بالتقابل مع احتفال الإسرائيليين بذكرى استقلالهم، ولن يتنازلوا عن حقهم في العودة إلى وطنهم وإعادة بناء ما هدمه الإسرائيليون وسيعيدون الحقائق الموضوعية إلى نصابها مهما طال الزمن وستسقط الرواية الصهيونية بكاملها في مواجهة الرواية الفلسطينية وحقائقها الموضوعية، التي صمدت ستة عقود وها هي تنتشر وتترسّخ في كل أرض فلسطين وفي محيطها، تحاصر الرواية الصهيونية الكاذبة والمخادعة والعنصرية التي استندت على منطق شرعية القوة في قلب الحقائق وتزويرها وستسقط لا محالة أمام قوة الشرعية للرواية الفلسطينية.
مدير عام مكاتب اللجنة الشعبية الفلسطينية
e-mail:pcommety@hotmail.com