بدت حرائق السودان وكأنها تتسع، فلأول مرة منذ العام 2003 -وهو تاريخ اندلاع الاضطرابات في دار فور- تصل ألسنة النيران إلى العاصمة الخرطوم، فيما كانت جهود المصالحة والتفاوض تتحرك باتجاه هدفها، لكن الهجوم الأخير على الخرطوم بدد أي أمل في حوار وشيك بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة التي قادت هذا الهجوم الذي يصفه المراقبون بالانتحاري.
وتعتبر هذه الحركة من أكبر الحركات المناوئة للحكومة في إقليم دار فور، ومن هنا تأتي فداحة ما حدث على جهود السلام التي أصيبت في مقتل، ومن الواضح أن الخيار الآن باتجاه المنازلة على أرض المعركة، وهذا ما يحدث بالفعل على أرض الواقع، حيث تتحدث الخرطوم الآن عن مطاردة فلول المتسللين في حواري وشوارع مدينة أم درمان المدينة التوأم للخرطوم.
الانتقال بالصراع إلى ساحة العاصمة السودانية يشكل نقلة نوعية كبرى في هذا الصراع بكل ما قد يعنيه ذلك من تضرر كبير قد يلحق بالمدنيين، بالإضافة إلى الضحايا الذين يسقطون يومياً في دار فور، وكل ذلك يحد كثيراً من فورة التوجه نحو السلام، ويجعل الكثير من الجهود تتجه إلى معالجة إفرازات هذه الهجمة وتبعاتها الأمنية المتعددة.
ومع ذلك فإن من المهم متابعة جهود السلام على رغم أن مثل هذا الحديث وفي مثل هذه الظروف قد يبدو غير موات، فالدولة السودانية ستمضي قدماً نحو إزالة آثار هذه الهجمة في عقر عاصمتها، ومن ثم فإن ميدان المعركة سيمتد من الخرطوم إلى دارفور، وربما إلى حدود تشاد، حيث تتهم الخرطوم جارتها الغربية بالوقوف وراء هذا الهجوم، والسجال بين الخرطوم وتشاد في هذا المقام متواصل منذ سنوات؛ فكل من الدولتين تتهم الأخرى بدعم المتمردين في الدولة الأخرى.
ومن ثم تبدو الأمور متشعبة بين المحلي والدولي، وهذه سمة الأزمة في دار فور منذ اندلاعها، فلطالما كان الإقليم ساحة لتجاذب دولي وأرضاً لصراع الإرادات بين القوى العظمى وتلك الإقليمية، وبين دول الإقليم فيما بينها، ولذلك تبدو آفاق الحل شديدة التعقيد، ومع ذلك فإن الإرادة السودانية الخالصة تستطيع النفاذ من بين كل تلك التعقيدات إذا توافقت على الثوابت التي تجمع بين السودانيين، وأكدت عليها وأصرت على معالجة الشأن الوطني بأيدي أبنائه.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244