ما إن هدأت في بيروت حتى اشتعلت في أم درمان العاصمة التاريخية للسودان والشق المكمل للخرطوم، ومثلما اجتاحت بيروت جحافل الشر -المتمثلة في عصابات حزب الله وحركة أمل- اجتاح مسلحو عصابات ما يسمى بالعدالة والمساواة شوارع أم درمان، وحوّلوا العاصمة القديمة إلى ساحة حرب..!
نعرف أن مسلحي حزب الله وحركة أمل استطاعوا احتلال بيروت لوقوف الجيش اللبناني على الحياد، وكأن الجيوش من مهامها الوقوف على الحياد حينما تتمرد الميليشيات!.. ولذلك شأن آخر، وله أحاديث أخرى؛ لأن القضية اللبنانية لها تشابكات طائفية تتغلغل في مفاصل المؤسسات الرسمية، والجيش لا يختلف عن هذه المؤسسات التي تخضع لنظام المحاصصة، ولذلك لم يكن من المسموح له صد (حقد الطائفيين) على أهل بيروت، ليكون الاحتلال الثاني لهذه العاصمة العربية، بعد أن كانت قد احتلتها القوات الإسرائيلية، وأنهى احتلالها مجلس الأمن الدولي بعد ترحيل المقاومة الفلسطينية.!
ولهذا ورغم اختفاء المسلحين من شوارع بيروت وتسلم الجيش المسؤولية، إلا أن المسألة لم تنته بعد، فالأيام حبلى..! ولكن العبرة أن عاصمة عربية احتلت من قبل مليشيات حزبية (مليشيات حزب الله وحركة أمل) وخضع الجيش والدولة لهذه المليشيات، فالحديث الآن يتداول في لبنان عن تراجع الحكومة عن قراراتها أو استقالتها..!
هذا في لبنان، أما في السودان فمليشيات العدالة - إحدى فصائل متمردي دارفور- وصلت مليشياتها إلى أم درمان حيث أرعبوا أهل العاصمة القديمة وعاثوا فيها خراباً وتدميراً قبل أن تتصدى لهم قوات الجيش السوداني وتحبط محاولتهم احتلال العاصمة.
المحاولة الفاشلة لمتمردي دارفور تبرز عدداً من الدلالات من أهمها:
1- جرأة المليشيات المسلحة على احتلال العواصم دون رهبة أو خوف؛ فهذه المليشيات عندما تستخدم السلاح والقوة العسكرية واحتلال رمز الدولة (العاصمة) فإنها تلغي العامل السياسي والحوار والتفاوض، وهذا يعني إفلاساً فكرياً وتحولاً إلى عمل همجي.
2 - القدرة على احتلال العواصم كما في بيروت والتجرؤ على مهاجمة أم درمان في السودان يظهر أن هذه المليشيات مدعومة من قوى إقليمية ودولية تمدها بالسلاح وتخطط لها، بل وترسم لها تحركاتها.
3 - كيف يستطيع متمردو دارفور قطع المسافة من غرب السودان إلى الوسط (قرابة ألف ومئتي كيلومتر) دون أن يكتشف تحركهم؟!. وهم الذين كانوا يمتطون حافلات وسيارات عسكرية تحمل مدافع ورشاشات..!
هل هناك تواطئ واختراق للمؤسسة العسكرية السودانية؟.. أم هناك جهة دولية أمنت الغطاء لهم..؟!
غداً تظهر الحقيقة.. ولكن الحقيقة المرة هي هشاشة أمن العواصم العربية المكشوفة .
jaser@al-jazirah.com.sa