يعتبر مبدأ المساواة من المبادئ الأساسية التي بنيت عليها الشريعة الإسلامية، لكون هذا المبدأ يساعد وبدرجة كبيرة على توحيد المجتمع المسلم، بل المجتمع الإنساني، فقبل أن يرد هذا المبدأ في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر سنة 1948م وفي ميثاق الأمم المتحدة الذي صدر قبل ذلك بثلاث سنوات،
حيث تضمنا التأكيد على حرية الإنسان وإعمال مبدأ المساواة بين الناس وأنه ينبغي ألا يؤثر على ذلك لون الإنسان أو دينه أو جنسه، فقد ورد هذا المبدأ في الشريعة الإسلامية قبل ما يزيد على أربعة عشر قرناً، فالإسلام بموجب هذا المبدأ لا يسمح بقيام نظام طبقي تسيطر فيه طبقة على أخرى بسبب النسب أو اللون أو الجنس، بل جاء ليقرر المساواة بين البشر وأنه لا يوجد أي معيار للتفرقة عند الله عز وجل سوى ما لدى المسلم من رصيد من تقوى الله ومخافته والعمل النافع للمجتمع مصداقاً لقول المولى سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ..} وقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع: (يا أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا وبلدكم هذا وشهركم هذا لا فرق لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه جزء تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، وقوله الكريم: (المسلمون كأسنان المشط الواحد).
ومبدأ المساواة حسب المفهوم الإسلامي ومفهوم المبادئ والمواثيق المعاصرة يعني المساواة بين سائر مواطني أي دولة في الحقوق والواجبات ومن ذلك:
- الحرية الشخصية التي لا تتعارض مع النظام العام المطبق في المجتمع وهو في بلادنا الشريعة الإسلامية، فالإنسان له حق التملك والبيع والشراء والزواج والسكن والسفر والتقاضي والعمل وسرية المراسلات.
- إبداء المواطن للرأي السديد الذي يسهم في خدمة الوطن والمصلحة العامة وليس من أجل تحقيق المصلحة الخاصة أو إثارة النعرات والفتن والغلو والتطرف.
- تولي الوظائف العامة وذلك في حدود الشروط والضوابط والمؤهلات اللازمة لشغل هذه الوظائف وهذا الحق يقضي بأنه لا فرق بين مواطن وآخر في شغل الوظيفة العامة سوى ما يفوق أحدهما الآخر في المؤهلات أو الحصول على درجات أعلى في المعيار الذي يوضع لاختيار الشخص المناسب والأكفأ لشغل هذه الوظيفة.
- التعليم ويعني تساوي جميع أبناء وبنات الوطن في تلقي التعليم المجاني في المدارس الحكومية من دون تمييز.
- العلاج ويعني استفادة كل مواطن من الخدمة الصحية المجانية التي تقدمها الدولة.
- استفادة الجميع من المرافق العامة سواء من حيث الخدمة المقدمة أو المقابل المادي الذي يدفع لها وهو ما يعرف بالرسوم.
- المساواة في الواجبات فكل مواطن مطالب بالولاء لوطنه وخدمة مجتمعه وتنفيذ أوامر قيادته ورؤسائه والتعاون مع إخوانه المواطنين في سبل تحقيق الصالح العام.
من ناحية أخرى لا يؤثر على هذا المبدأ إفراد بعض الفئات الاجتماعية ببعض المزايا أو إعفاؤهم من بعض الواجبات، وذلك بسبب ظروفهم الإنسانية الخاصة كالمعوقين وهم الذين لا يستطيعون أن يؤمِّنوا لأنفسهم ضروريات الحياة الفردية أو الاجتماعية بسبب قصور بدني أو عقلي تمشياً مع ما ورد في الذكر الحكيم: (لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ)، وقد أقرت الأمم المتحدة سنة 1975م إعلاناً بحقوقهم يتضمن تمتعهم بكافة الحقوق التي يتمتع بها المواطنون الآخرون بالإضافة إلى بعض الحقوق الخاصة مثل التدريب والتأهيل وعدم الاستغلال، ومن هذه الفئات أيضاً كبار السن وبالذات الوالدان وفقاً لما جاء في القرآن الكريم: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُف وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا}، وقد أوصت الأمم المتحدة سنة 1973م بأن تبذل الدول جهودها لتحسين إجراءات الضمان الاجتماعي ووضع البرامج اللازمة لرعايتهم الصحية وإيجاد فرص العمل المناسبة.
وفي بلادنا تم -والحمد لله- تطبيق مبدأ المساواة بين المواطنين منذ وقت مبكر يرجع إلى بدايات التأسيس، فنحن ندرك جميعاً مدى الظلم والجهل والفقر والعصبية الذي كان موجوداً قبل ذلك، فقد كان الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- يحث في العديد من خطبه على ضرورة المساواة بين المواطنين، وكان من ذلك خطابه الذي وجهه لأهالي مكة المكرمة عند دخوله لها سنة 1344هـ عندما طالب بالإبقاء على الموظفين الذين عرفوا عند الناس بالإخلاص والنزاهة، من غير تفرقة بينهم، كما صدرت في عهده سنة 1345هـ (التعليمات الأساسية) وهي مجموعة من القواعد النظامية التي تنظم الحقوق والواجبات في كافة المجالات، كما تم في عهود أبنائه الملوك البررة من بعده وضع وتنفيذ خطط التنمية الطموحة في كافة الخدمات، والتي عمّت سائر أجزاء المملكة من دون تفرقة، كما تم إنشاء صناديق الإقراض والتسليف والضمان الاجتماعي التي لم تفرق أنظمتها بين مواطن وآخر في الاستفادة من هذه القروض والمساعدات واستحداث البرامج والجمعيات الخاصة بالمعوقين وكبار السن والأيتام، كما تم إصدار العديد من الأنظمة في المجالات التعليمية والصحية والوظيفية التي ساوت بين المواطنين في الاستفادة من هذه الخدمات وجعلت مبدأ الجدارة والكفاءة هو الأساس في شغل الوظائف العامة، كما أن (النظام الأساسي للحكم) راعى هذا المبدأ؛ فالمادة التاسعة من هذا النظام تقضي بأن (الأسرة هي نواة المجتمع السعودي ويربى أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية وما تقتضيه من الولاء والطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر واحترام النظام وتنفيذه وحب الوطن والاعتزاز به وبتاريخه المجيد)، وتنص المادة الحادية عشرة منه على أن (يقوم المجتمع على أساس من اعتصام أفراده بحبل الله وتعاونهم على البر والتقوى والتكافل فيما بينهم وعدم تفرقهم)، كما أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- يؤكد باستمرار بأنه لا فرق بين مواطن ومواطن إلا بما يقوم أي منهما بجهد أكثر لخدمه دينه ووطنه وأنه لا فرق بين منطقة وأخرى من مناطق المملكة سواء في الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب.
فاكس: 4032285