ربما يكون (أعمدة الحكمة السبعة) من العناوين التي استرعت انتباه جمهور القراء العرب منذ صدور أولى ترجماته في الخمسينيات الميلادية على أيدي بعض المترجمين اللبنانيين ونفر من الناشرين.. وأولئك الناشرون كانوا يتلقفون مؤلفات فيلبي وتوماس ولورنس وغيرهم ممن ساح وجال في جزيرة العرب ويترجموها للقراء العرب من غير ما جهد يذكر في تحقيق الترجمة وتحرير معالمها وتجلية ما في الكتاب من مدارك جغرافية أو تاريخية أو اجتماعية، وبين يدي الآن ترجمة كتب عليها إنها ترجمة جديدة أو طبعة جديدة (لأعمدة الحكم السبعة)، وهي نسخة مسهبة ومطولة في قرابة الثمانمائة صفحة من القطع المتوسط، ومعها ملاحق تضم بعض الصور والخرائط التوضيحية لتحركات لورنس ورجال القبائل بين جبال الحجاز الشمالي وفي الأردن وبلاد الشام، وقد قام بهذه الترجمة الأستاذ محمد نجار ونشرتها الدار الأهلية في عمان - الأردن عام 1988م، ولقد كان لعنوان الكتاب منذ أن كتبه مؤلفه الضابط البريطاني توماس لورنس، الذي ذاعت شهرته بلورنس العرب.. كان لهذا العنوان أثرٌ إحيائيٌ على نفر من القراء من حيث أن البعض يؤخذ ملياً بالعنوان ثم لا يلبث أن يرى بُعد الشقة المعنوية بين عنوان الكتاب وبين محتوياته.
فالمعروف أنه ليس كتاباً أو (سفراً) في الأمثال ولا في مجربات الحكماء ولا في وصاياهم وأقوالهم، وإنما هو فصول مسهبة متعاقبة يحكي فيها لورنس قصة مشاركته التي يصورها الكتاب على أنها بالغة ومؤثرة في صفوف قوات الثورة العربية التي قادها الشريف حسين ضد الأتراك، ولقد استعار المؤلف ذلك العنوان الموحى من عبارة وردت في الإنجيل، وذلك كما هو مبين في الغلاف الخلفي للترجمة التي بين يدي الآن، وفي هذا السياق يقول أحد القسس بعد أن قرأ الكتاب مستغرباً هذه التسمية: منذ زمن ليس بقليل قرأت هذا العنوان على دفة كتاب لمؤلفه المدعو (لورنس العرب)، وحاولت العثور فيه على شيء من الحكمة فلم أجد سوى معارك، وتفجيرات جسور وسكك حديدية، وقتل، وتدمير، وخراب فقلت في نفسي: أين الحكمة في كل هذه؟
وعلى أية حال فالكتاب يعد مصدراً ذا شأن مهم من مصادر الثورة العربية ضد الدولة العثمانية، لأنه يتناول بالتفصيل جملة حوادث الثروة ومجرياتها مثل تجييش رجال القبائل مع عسكر فيصل بن الحسين والغارات التي شنوها على سكة حديد الحجاز والتفجيرات وعملها في جسور السكة وقناطرها، فضلاً عن المفاوضات الكثيرة مع رجال القبائل وشيوخها، زد على ذلك مغامرات لورنس بالاضطلاع ببعض المهام الخطرة في مواضع العسكر التركي وبين استحكاماته المنتشرة على طول خط سكة الحديد، تلك المغامرات والخاطرات العجيبة التي جعلته مادة جيدة لصناع السينما ومخرجي الأفلام منذ عقود من الزمن.
والناظر في هذا الكتاب الذي يؤرخ لأحداث الثورة العربية - هذه الثورة التي اندلعت في سياق الحرب العالمية الأولى بين بريطانيا وحلفائها من جهة وبين تركيا وألمانيا من جهة أخرى- يخرج بفوائد جمة حول طبيعة الثورة العربية وأحداثها وحول أسلوب الرحالة الأجانب في وصف الأحداث والكلام عن طبيعة كل من الإنسان والمكان والأحوال التي يمرون بها، ولعل من تلك الفوائد جملة من النقاط أود أن أشير إليها هنا، فمنها:
1- إن الثورة العربية التي كان قوام جيشها من رجال القبائل أي مقاتلي الصحراء اعتمدت في مجمل حربها للأتراك على طريقة (اضرب واهرب)، وهذه الطريقة يسميها المختصون ب(حرب العصابات)، ذلك أنه طوال الكتاب قلما نجد موقفاً زحف فيه الطرفان نحو بعضهما والتحم فيه الجيشان في معركة حقيقية يقابل فيها جيش جيشاً آخر والسبب في ندرة ذلك أن رجال القبائل لم يكن من مألوفهم أن يقاتلوا مثل ما يقاتل الجند في الجيش النظامي، فالخطة، والأوامر، والتعليمات، والتسلسل الهرمي والتنظيم العسكري، والتوقيت المناسب، كل أولئك لم يكن مما عهده أولئك الرجال الذين غبروا قرونا طويلة لا يحسنون إلا فن الغارة السريعة أو الضربة الخاطفة أو البيات أو (الهجاد) كما يسمى في عهد قريب، وهذه هي طبيعة حرب الصحراء، والتي اعتبرت عماد (اقتصاديات الصحراء) حتى عصرنا الحديث كما يرى غلوب باشا، ومع ذلك فقد أحسن لورنس استغلال طبيعة حرب الصحراء هذه، وأجاد الاستفادة مما يحسنه أولئك الرجال مقاتلو الصحراء، فسلط غاراتهم الكثيرة السريعة والخاطفة والمؤلمة على محطات الخط الحديدي وفي نفس جسور كثيرة منه فيما بين المدينة المنورة ودمشق.
يقول لورنس: إن رجال القبائل كانوا جيدين للدفاع فقط، وتهورهم المكتسب جعلهم بارعين في الغنيمة، وتخريب ونزع الخطوط الحديدية، ونهب القوافل، إلا أنه لم يكن بإمكانهم أن يقودوا معركة، أو أن يحاربوا كفريق واحد (ص117) ويقول في (ص260): (إن رجالنا وقواتنا من البدو الذين يجب أن تبنى وتعتمد عليهم الحرب كانوا غير معتادين على العمليات العسكرية النظامية، إلا أن لديهم مرونة التحرك، الشدة، الثقة، بالنفس، والمعرفة التامة بالبلاد، والشجاعة والذكاء)، وبالمناسبة المعرفة التامة بالبلاد يقول: (إن الحرب العربية كانت جغرافية)، ويقول في ص118 في صورة أقرب: (لقد كانت حرب الحجاز في غضون ذلك تبدو لتكون واحدة من حرب الدراويش ضد قوات نظامية).
2- في جل المواقف التي هاجم فيها لورنس ورجاله العرب المواقع والاستحكامات التركية كانوا يشنون الغارة من مكان مرتفع، كأن يكون تلاً، أو رابية، أو سفح جبل، بينما العسكر التركي يحاول درء الهجوم مكانه المنخفض في وهدة من الأرض أو بطن وادٍ أو دارة محاطة من معظم نواحيها بالجبال، فماذا ستكون النتيجة يا ترى؟ وماذا سيحدث لعسكر الأتراك في هذه الحال؟ بالطبع سيكونوا طعمة سائغة لمدافع لورنس الرشاشة وبنادق الرجال، ومما يناسب ذكره في هذه الحال وصية أشار إليها الرحالة بور كهارت للإمام سعود بن عبدالعزيز لابنه عبدالله بألا يقاتلن الترك في أرض براح أبدا، أي لا يواجههم في أرض مكشوفة فسيحة الأطراف (1)، وربما بسبب ذلك انكسرت جموع فيصل بن سعود أمام محمد علي باشا عندما نزل رجال فيصل من استحكاماتهم الحصينة ومعاقلهم في الجبال ليتعقبوا فلول محمد علي الذي انعطف عليهم بأخرة وأطبق عليهم في بطن الوادي (2).
يقول لورنس عن قتاله للأتراك ص118: (لقد كان قتالاً يجري في بلاد ذات تضاريس صخرية جبلية وصحراوية مقفرة.. وكان حزام التلال المحيطة يشكل جنة بالنسبة للقناصة حيث كان رجال القبائل يتقنون فن القنص)، والخلاصة أن الجبال وطبيعة الأرض كانت ذات شأن عظيم في تحديد مصير ذلك القتال ونجاح ثورة الحجاز.
3 - يبدو الشكل العام لفصول الكتاب وتسلسلها وتتابع أحداثها ووقائعها أن أسلوب الكتابة سوف ينزع إلى طريقة العالم والمؤرخ أكثر مما يميل إلى أسلوب الرحالة الكاتب الأديب، إلا أن محتوى الكتابة وعنايتها بالتفاصيل الدقيقة والاسترسال في وصف المشاهد الطبيعية من جبال وأودية وصحارى وأجوائها من حر ورطوبة وقر وزمهرير وما تثيره تلك الأجواء والمعالم في المخيلة من مشاعر ولواعج وأحاسيس، زد على ذلك الإيغال في وصف سمات الأشخاص وطبائعهم وأحوالهم الدقيقة، بل والعناية بذكر التفاصيل الدقيقة لكل شيء أو متاع من حوله مهما حقر شأنه، كل أولئك يجعل كفة الكاتب المتأنق الأديب ترجح على كفة المؤرخ العسكري أو العالم الموضوعي، فالكاتب وإن كان يعد مصدراً من مصادر تاريخ الشرق في العصر الحديث، إلا أنه كتب بأسلوب ذاتي خالص، ويحكي تجارب ذاتية للمؤلف اعتبرت بطبيعة الحال جزءاً من التاريخ، مع عدم التسليم بالجملة مع بعض ما يذكر الكاتب حول بعض الوقائع، ولا سيما تلك الحوادث المتعلقة بمغامراته واقتحامه للمخاطر بنفسه واقترابه الوشيك من نيران الترك وبنادقهم، وفوق ذلك سلامته العجيبة من كل تلك المهالك المحدقة به، مع تساقط بعض تابعيه الذين معه، كما حدث لخادمه سالم، مما جعله بهذه البطولية المتصورة يشبع خيال صناع السينما كما أسلفت، وتجعلهم يجدون فيه بطلاً نموذجياً مناسباً لفيلم يكون من المغامرة والإثارة بمكان، وقد أشار بعض الكتّاب إلى ما في هذا الكتاب من تحويل وتعظيم غير جدير لدور المؤلف في الحرب، بينما هناك تهوين بل ربما إغفال لدور الآخرين، يقول الكاتب تيسير خروب(3): (لقد ملئت صفحات أعمدة الحكمة السبعة وهي عبارة عن مذكرات لورنس في البلاد العربية المئات من القصص التي تصوره سوبرمان عصره وأنه حلال كل عقده، فهو العسكري, والقائد المجرب الذي يضع الخطط ويقود مقاتليه إلى الهدف بدون معارضة أو شكوى وهو شيخ القبيلة الذي يحكم بين العربان ويفض المنازعات حتى في أحكام القصاص والقتل.. فنراه ينفذ حكم الإعدام بعربي لأنه اعتدى على عربي آخر في معسكره.. متناسياً في الوقت نفسه الأمراء والشيوخ العرب وزعماء القبائل التي شاركت في الثورة والقتال ونزفت الدماء منها وقدمت المئات من أبنائها ضحايا هذه الحرب).
4 - وما دام الكتاب وضع بأسلوب ذاتي خالص، فلا يعتم القارئ الناظر في الكتاب إذن أن يجد لمحات من النظر والتأمل الفلسفي العميق للمؤلف، وهو الذي قضى سنيناً بصحبة رجال البادية والعرب في الشرق من حياته وتعامله الطويل والمباشر مع التابعين منهم أو الرؤساء فيهم على حد سواء، فلابد والحال هذه أن تكون له رؤية ونظر وتأمل حول طبيعة هذا الجنس من البشر، فمن ذلك ملاحظاته الدقيقة حول العقلية السامية أو عقلية الشعوب السامية بعامة، والمعروف أن بعض الفلاسفة والمستشرقين مثل براون وأوليري قد وضعوا تعميمات أي ملامح وسمات وأفكار عامة يتسم بها الساميون، وقد تناولها الأستاذ أحمد أمين في (فجر الإسلام) (4)، وربما انساق أمين أو جرى به القلم قليلاً في شيء من هذا الطرح الذي يسم الساميين بضعف الخيال وندرة الإبداع والإيغال في البداوة، فضلاً عن وصفهم بأنهم يفتقرون إلى النظرة العامة الشاملة نحو الأشياء. وقد أشبع القول في هذه المسألة وبين مواضع النظر والخطل في هذه التعميمات المتحيزة المؤرخ جواد علي (5) رغم أنه عول في النقل مطولا عن أحمد أمين، ووجه الخطل في هذه النظرة أنها تضع العرب كلهم في سلة واحدة، ولا تميز بينهم، وتتجاهل حضاراتهم القديمة، وما بلغ بعضها من رقي تجاري وزراعي، وما كان لهم من مآثر في فن العمارة والبناء، وما سنوا من قوانين وشرايع وتنظيمات قانونية وإدارية لا زال أكثرها منقوشاً على جدران الآثار وواجهات المقابر والمعابد وغيرها من المباني، فجميع هذه الجوانب الحضارية والرقي الفكري والقانوني والإداري لا يمكن أن يظهر أو يتطور بين قوم ليس لديهم نظرة شاملة للأمور أو يفتقرون إلى عناصر الإبداع والابتكار، أو أناس محدودي التفكير.
يقول لورنس: (الساميون ليس لديهم أمور وسط في رؤياهم، فهم أنس كانوا يرون بلونين رئيسيين أي أبيض وأسود فقط) ويضيف: (إنهم قوم يعرفون فقط الحقيقة أو عدم الحقيقة، الإيمان أو عدم الإيمان، دون أن تنتابهم الأوهام والأطياف والخيالات المترددة) ص 28، ويقول: (إنهم أناس ضيقوا ومحدودو التفكير، حيث إن ذكاءهم الجامد يرتاح باستسلام غير مبال، وإن خيالاتهم نشطة، لكنها غير خلاقة)، أي لا تتحول إلى ارض الواقع، ويجمل وصفهم بهذه العبارة: (إنهم شعوب الفورات (جمع فورة)، الجيشانات، الأفكار، وسلالة العبقرية الفردية) ص 29.
وعلى هذا يكون لورنس من مصادر هذه الرؤية المتحيزة التي تتغافل عن المنجز التاريخي لحضارات الجزيرة العربية والمشرق بعامة ولا تستند إلى دليل علمي حول العقلية السامية وطبيعة العقلية العربية.
5 - بقيت هنا في الجعبة ملحوظات عامة حول هذه الترجمة الجديدة لكتاب لورانس هذا، ولابد ابتداء للقارئ المنصف أن يشير إلى ما يتسم به النص المترجم أو السياق العربي العام للكتاب من انسيابية في الأسلوب وسهولة في اللغة وبساطة في التراكيب والعبارات، وهذه الناحية تجعل القارئ يركن إلى النص المترجم ويستأنس به لانسيابيته وطلاقته وسلامته من مستغلقات الترجمة والمواطن العويصة كالجمل الطويلة المعقدة والعبارات التي يصعب فهمها بسبب سوء الترجمة، هذه نقطة يجب تقريرها أولاً.
ولكن -ولابد من هذه اللكن- بالرغم من انسيابية النص وسهولة تلقيه إلا أنه يحفل بمواضع للنظر والملاحظة في محتوى هذه الترجمة. إن الناظر الفاحص سيرى بلا ريب أن المترجم قد جعل وكده في نقل النص والجمل والفقرات فقط، من دونما عناية تذكر بتبيان أسماء الأشخاص وأسماء الأماكن وتحريرها وترجمتها على الوجه الصحيح، وكأن هذه الأسماء ليست جزءاً من اللغة أو من الكلم الذي ينبغي تحريره وتبيانه ونقله على الوجه الصحيح، فهناك العشرات من الأسماء سواء للأشخاص أو الأماكن نقلت بصورة محرفة ومشوهة، وبعضها يحتاج إلى مزيد تأمل ونظر لمعرفة ما يشير إليه، ومن أمثلة الأسماء المحرفة ما يلي: دهباً (ظبا)، مويله (الميلح)، وادي حمده (وادي الحمض) ، حنيكة (الخنفق)، بير ابن حساني (بير ابن حصاني) المورمية (المرامية)، حسين مبيرج (مبيريك)، فهران العيدا (فرحان الأيدا)، الطوايهة (التوايهة)، عبدالله الفير (الفعر)، حدية (هدية)، مدحرج (المدرج)... وغيرها كثير خاصة في أسماء المواضع والجبال والأدوية.
كما يلاحظ القارئ أيضاً فشو الأخطاء اللغوية وأغلاط النحو في صفحات الكتاب، فالخطأ يضرب أطنابه في مواضع شتى هنا، فالكتاب يجمع إلى الأخطاء الشائعة كنصب المرفوع ورفع المنصوب أغلاطا لغوية أخرى في ترجمة بعض التراكيب ونقلها إلى أسلوب عربي مستساغ، ومن كثرة ورود هذه الأخطاء - النحوية منها بخاصة- يخال المرء أنه يقرأ في مسودة كتاب مقدم لطبع وليس كتابا مطبوعا بين دفتين، ومن هذا يستنتج الملاحظ أنه لم تتم مراجعة الكتاب قبل الطبع، ولم يطله قلم التعديل والتصحيح والتنقيح، وإلا لما بقيت هذه الأخطاء النحوية التي يحسنها من لديه مسكة علم بقواعد اللغة وأصول النحو، ومن هذه الأخطاء الجمة ما يلي (كان عددها عشرون - ص 413) كان فراج وداود كفؤان وسعيدان في كل مسير نقوم به - ص456، كان يستولي على أذنتاي (هكذا) أو سمعي المجهد ص 92 وكذلك (عينتاي) ص 114، ويتكرر هذا المثنى الغريب (فعينتاي المغمضتان رأتا بزوغ الفجر) ص 527، ومنها أيضاً:
- ص 386 وكلا الاقتراحان بعيدان..: كلا الاقتراحين.
- ص 402 وأن رفيقاي الاثنان غير المحظوظين..: وأن رفيقي الاثنين. وفي نفس الصفحة الأمر الذي جعلهما شجاعان إلى حد زائد: شجاعين.
- ص 359 أصبح الحصول على رأسي ذو قيمة كبيرة: ذا قيمة كبيرة.
- ص 149 ثم ارسل المدفعية المصرية لتأخذ موقع لها.. موقعا لها.
- ص 553 أنتداب الأمير فيصل أخيه الأمير زيد لقيادة الحملة..: أخاه.
- ص 557 أخيراً قابلت الشيخان الشابان لقبيلة الجازي، متعب وعناد، اللذان يمتازان بمهاراتهما..: الشيخين الشابين... اللذين، كلها بالنصب.
ومن الملاحظات الأسلوبية ما يلي:
- أنزل جملي على ركبتيه إلى الأرض ص 92: تطويل في العبارة: أي أناخ الجمل. وتتكرر هذه، مثلا ص 136 يتحدث عن مطيته (أركعها إلى الأرض بين الجدران) أي أناخها.
- لأن علامات جمالهم كانت من عشيرة الفايز ص 525: قلت: وسوم وليس علامات.
- .. ورديت عليه بأنه بما أن المصاعب كانت كبيرة فإنني.. ص 167: صوابها: رددت عليه. ورديت عليه من الأساليب العامية.
- جاء فيها أنه لن يسمح لزيد أن يصعد إليها لغاية ما أحضر لهناك واشرح لهم الوضع بالتفضيل قلت: قبل أن يشرح لنا الوضع بالتفصيل لابد أن يعدل عن الصياغة العامية في الجملة، وذلك في عبارة لغاية ما أحضر أي حتى أحضر، ولهناك أي هناك أو إلى هناك.
- تهب في أرضه المنبسطة ريح دائرية أو لولبية مشبعة بالغبار: قلت: ما هذه الريح الدائرية أو اللولبية يا ترى؟ لعله يعني إعصار أو (معصير)!
- فر من بيت والده لعند عمه ص 87: إلى عمه، والتعبير فيه عامية.
- وبما أن النجوم كانت ساطعة في السماء فقد اتفقنا على أنه ينبغي أن نسير باتباع النجم أوريون ص 462، قلت: هذا النجم هو الجوزاء.
وهناك أخطاء طباعية كثيرة أيضاً، يلاحظها القارئ هنا وهناك وأن كان جلها يسير الفهم أو لا يغيب عن الفطن. وبعد فتلك كانت وقفات معدودة مع ترجمة عربية لكتاب (أعمدة الحكمة السبعة)، ذلك الكتاب المطول الذي يؤرخ بين جنباته لأحداث الثورة العربية التي انطلقت من الحجاز ضد سلطة الأتراك، تلك الثورة التي حدثت كما أسلفت في سياق الحرب العالمية الأولى بين أطراف القوى العظمى في العقد الثاني من القرن الميلادي المنصرم. وعلى الجملة فإن السياق العام لمتن هذه الترجمة والأسلوب واللغة - فيما عدا أسماء الأعلام طبعاً - سائغ للقراءة بوجه عام وطيع القياد، وقلما يعترض طريقه عبارات أو أساليب تحوج القارئ وتشكل عليه في الفهم والاستيعاب، لكن لا زال الكتاب يحتاج إلى تنقيح في مواضع الخطأ، ناهيك عن تحرير أسماء الأعلام وتبيانها على وجهها الصحيح، سواء تلك الأعلام التي للأشخاص أم للأماكن والقبائل والأقوام.
صالح بن محمد المطيري
1 - بوركهارت، مواد لتاريخ الوهابيين، ترجمة د. عبدالله العثيمين - ص 153
2 - بوركهارت، نفس المرجع، ص 174
3 - الحوار المتمدن (صحيفة إلكترونية) العدد: 1068 - 14- 1-2005م
4 - فجر الإسلام، أحمد أمين، 1-39-55 (المكتبة العصرية 2006م)
5 - المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، جـ 1 ص 261.