وزراء الخارجية العرب المجتمعون اليوم بالقاهرة لا يملكون عصا سحرية من أجل حل الأزمة في لبنان وإرجاع حزب الله عن انقلابه العسكري، فبعد أن سيطرالحزب وفرض هيمنته على أرض الواقع أضحت الحقائق والأمور أكثر صعوبة وأكبر تشعباً وتعقيداً, ومن الواضح أن حلحلة القضية والإشكال تأتي من خارج الحدود وبالتأكيد من قبل إيران التي تعتبر المحرك الرئيس للحزب والمرجع الأساسي له، وما تعالي الأصوات التي تؤكد أن الحل يأتي عبر بوابة (إيران - دمشق) إلا دليل على أن الوضع في لبنان قد دخل دهاليز المزايدات السياسية الكبرى، فبعد أن كان الإشكال اللبناني يتمحور داخل صومعته الوطنية التي عوملت بأسلوب تعريب الحلول من خلال جهود أشقائه العرب والجامعة العربية بدأت ملامح الأزمة تتوجه نحو الامتداد الاقليمي بعد أن قذفت البلاد داخل مرمى ملعب السياسة الخارجية الإيرانية وهو ما سوف يقود - بلاشك- إلى تدويل القضية وخروجها من إطار الصفة الاقليمية إلى الذات والطبيعة الدولية إن استمرت الأمور على ما هي عليه.
إذن الأمر يتعدى قضية الأكثرية والمعارضة، فذلك يحدث في أي دولة يجمع نظامها السياسي تلكما الصفتان، والأمر يتجاوز أيضاً مسألة انتخاب العماد سليمان الذي حظي بإجماع كل الفرقاء بلبنان إلى غير ذلك من قشور الخلاف التي تتخذ كقميص عثمان لتمرير ما يراد تمريره من أجندات وسياسات إقليمية تهتوي البحث عن مواطئ الاقدام في البلدان الأخرى، وخلق مجالات نفوذ حيوية للمناورة والكر والفر متى شاءت أو تطلبت مناطحتها الدولية ذلك.
إيران دولة مهمة في المنطقة، ويجمعها تاريخ علاقة عريقة مع جيرانها العرب، ومع التحفظ على القناعات الخاصة بالسياسة الخارجية الإيرانية ومن يدور في فضائها من الحلفاء التقليديين، فإنها تبقى شأنا ذاتيا لصناعها؛ فهم من يمتلكون أدوات التقدير وقرار التنفيذ، وتحمل التبعات لها شريطة ألا يكون ذلك عبر الاستيطان السياسي وزرع بؤر التأثير في البلدان العربية واستغلالها لخدمة الاستراتيجيات الخاصة التي تلهث وراء سراب النفوذ الكامل، وتتجاهل حساسية وخطورة اللعب باستقرار الشعوب ومحاولات التأثير الامتدادي بها.
تبقى القضية اللبنانية مهدداً إضافيا للأمن القومي العربي، وبقدر ما تحتاج من علاج سريع وفعال يتجاوز خطورة ترك الجراح مفتوحة، فإنها تتطلب أيضاَ رسم سياسيات وأفعال على المدى الطويل للتصدي لكل مد تاثيري ونفوذ سياسي قادم من خلف الحدود, وهو ما يتطلب جهدا عربيا مشتركا سواء في لبنان أو فلسطين أو العراق، وهي البلدان التي استهدفها الاستيطان السياسي من قبل أنظمة أخرى أجادت العزف على أوتار مغازلة بعض الحركات والفئويات ونفختها بالدعم العسكري والسياسي حتى أوصلتها إلى مايشابه الدول داخل الدول.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244