تعتبر الترجمة المعبر الرئيسي للتبادل المعرفي بين الأمم. وتكتسب أهميتها كونها الحاضن الأبرز للعلوم، قياساً للتكامل بهذا الصدد، وعطفاً على تأثيرها البارز في تنمية وتطوير الاكتشافات العلمية في ضوء حرص الأمم على الترجمة وعلومها لما تشكله من ثقل كحلقة وصل تثري الجوانب المختلفة لاسيما وأن إتقان الترجمة من الأهمية بمكان لما ينطوي عليه من مخاطر في حين يسهم غياب الدقة في وقوع الأخطاء التي يترتب عليها تبعات من شأنها قلب المعاني رأساً على عقب وما يحدثه هذا الأمر من وقوع أضرار بالبشر على جميع المستويات، إن من أهم ما يعزز قوة الترجمة كعلم تهتم به الأمم وتحيطه بالعناية الفائقة بل وتخصص له الدعم الوافر إدراكاً منها بالعائد الإيجابي لهذا الأمر، وكلما تطور هذا الفن كلما سطرت معالمه الإنجازات المتتالية المقرونة بالدقة والحرفية المهنية العالية، ولا ريب أن أي علم من العلوم وفن من الفنون يكتسب ارتقاءه من خلال الممارسين أنفسهم، بمعنى أن المترجم أو المترجمة متى ما وجدوا الدعم المناسب سواء كان ذلك مادياً أو معنوياً فإن انعكاس هذا الأمر سيعود على المهنة وارتقائها، وتتخذ سبل الارتقاء أنماطاً متعددة من حيث صقل المهارات وتنميتها وتطويرها، من هنا فإن الحاجة باتت ملحة في دعم هذا القطاع من خلال دعم أهل هذا القطاع، وكما يقول المثل (أهل مكة أدرى بشعابها) وآلية الدعم تتمثل في إلحاق خريجي وخريجات هذا القطاع لممارسة مهنتهم التي أحبوها، فكلما طال أمد البعد عن الممارسة كلما شكل هذا الأمر عبئاً ثقيلاً من شأنه إضعاف مستوى الترجمة، قياساً على ابتعاد المترجم عن الممارسة والخوض في علومها ومواكبة المستجدات المتلاحقة والتطور التقني بهذا المجال الذي توليه الأمم جل اهتمامها، وفي تقديري فإن بقاء مترجم واحد أو مترجمة بدون وظيفة يعتبر خللا في التخطيط وهدراً للقوى الوطنية المتقنة لهذا المجال، لاسيما وأن نسبة المترجمين الوطنيين لن تعكس التفاؤل بقدر ما تجر التساؤلات حول أسباب عدم قبول المترجمين والمترجمات في القطاعات المختلفة سواء كانت في القطاع العام أو الخاص، وعلى هذا الأساس فلم لا تتم الاستعانة بهذه القوة الفاعلة والمؤثرة في القطاعات المختلفة وخصوصاً المترجمات، وأن يعملن في الأقسام المساندة والتي لا تتطلب احتكاكا مع الجمهور على سبيل المثال الخطوط السعودية، سكك الحديد - وشركات النقل البري والبحري، مؤسسة الموانئ، سابك، الجمارك، الجوازات، المرور، البنوك، وغيرها كثيراً، إن الارتقاء بمستوى الترجمة يتطلب تفاعلاً وطنياً صادقاً يؤسس لبناء الأجيال في إطار معرفي تحدوه الرغبة في التطوير والتركيز على المضمون؛ لأن الشكل لن يلبث أن يتهاوى أمام أبسط تحديات تواجهه وبالتالي فإن الانكشاف سيحمل في طياته الكثير من المفارقات التي لا يمكن مداراتها أو تغطيتها في حين أن الترجمة مرتبطة بالبيئة، ما يتطلب وجود مترجمين ومترجمات من نفس البيئة، عطفا على الإحاطة بمتطلبات النص وما يوافقه في المعنى وصياغة المضمون وفقا لمرئيات المترجم حيال الصيغة المناسبة لكل نص، ويطفو على السطح بين الحين والآخر كثير من الأخطاء التي ربما تعكس المعنى أو تعصف بمحتواه حيث إن الترجمة لم تأخذ بالاعتبار الفهم الصحيح للمعطيات الملائمة، فكانت ترجمة حرفية، بمعنى أن الترجمة صحيحة من حيث الحروف غير أنها لم تعكس المعنى المراد ترجمته بالشكل المطلوب، أي أن الخلل لم يكن في الترجمة من حيث هي، بقدر ما يتطلب الإتقان بهذا الصدد مزيدا من الحرفية المهنية والإحاطة الشاملة بالمتطلبات، من هنا ومن هذا المنبر الرائد -صحيفة الجزيرة- أدعو وسائل الإعلام لتسليط مزيد من الضوء على هذه المهنة وسبر أغوارها، والبحث عن معوقات تطويرها وإتاحة المجال للمترجمين والمترجمات بنثر ما يجول بخواطرهم وما تواجهه مهنتهم من مصاعب لتذليلها وتداول الأفكار لإثراء هذا الجانب المهم والرسالة كذلك أوجهها إلى المترجمين والمترجمات.
صدقوني لن تتطور مهنتكم وأنتم واقفون مكتوفي الأيدي وتنتظرون العصا السحرية للارتقاء بها، فأنتم الأكثر التصاقاً بها وأنتم الأخبر بمكنوناتها، اخلعوا رداء الخجل فلا وقت إلا للعمل، وساهموا عبر وسائل الإعلام التي لا أخالها إلا الواحة البديعة التي تنتظر أفكاركم الخلاقة، وسطروا إبداعاتكم واهتمامكم، ناقشوا.. طالبوا.. واجعلوا شعاركم الترجمة في المقام الأول، فأنتم تضطلعون بمسؤولية جسيمة تجاه دينكم ووطنكم ومجتمعكم، والكل معكم يشد من أزركم ويتمنى لكم ولمهنتكم التطور والازدهار، في ظل قائدنا الغالي خادم الحرمين الشريفين أمد الله في عمره، والذي يبذل الغالي والنفيس في سبيل رقي أبنائه وبلوغهم أعلى المستويات.
Hamad_yemco@hotmail.com