لقد نعتنا الله تعالى في الآية الكريمة بقوله: {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، أتساءل هل نحن جديرون لحمل هذا اللقب الضخم؟ |
وقد قال الله عز وجل: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} يخونني سؤال في نفسي، هل نحن أمة واحدة في عصرنا الحالي؟ والظلم والاستبداد والإعدام والتشرذم يساورنا؟ |
هل حمينا وطننا العربي من الاغتصاب وجعلنا أيدينا سلسلة واحدة متماسكة مترابطة متراصة؟ |
شكراً يا خير أمة على حالنا الذي وصل بأيدينا لهذا الحد من التدني، شكراً لأنكم كنتم خير إخوة، وجعلتم أرض العرب للعرب! |
وشكراً يا إخوة العرب ويا أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الطبق الذهبي الساطع من اللا مبالاة وجمود المشاعر والأنانية الذي يتذوقه إخواننا المضطهدون، المأسورون، المسلوب حقهم خلف قضبان الحديد، الذين لا يعرفون معنى للأمان ولا مفهوماً للرخاء ولا اسماً للأخوة، أصبحوا يتذوقون معاملتنا الجافة بحرقة ونحن لا نشعر، لأنه لا يشعر بمرارة النار إلا من يكابدها. |
هناك أُناس تشتتوا كعقد تناثر لؤلؤه أشلاء، وأناس استوطنهم الحزن والخوف، واستعمر بدنهم الرعب والفزع والهلع، فهنا أطفال صغار رضّع لا يعرفون الحضن الدافئ ولا مفهوم الأمومة، ترعرعوا في بيئة أحاطتهم واحتضنتهم بالانفجارات والحروب والظلم والعنف وافتقروا للسلام والمودة والأخوة، وهناك نساء تصرخ والعالم أصم ورجال مقيدون، معتقلون، محرومون، مظلومون خلف غياهب السجن وقضبان الحديد ونحن نرى كل ذلك أمام أعيننا ولا يطرف لنا جفن بحكم تبلد الأحاسيس والمشاعر وأعيننا التي اعتادت على عنف هذه المشاهد، فأعيننا أقوى من أن تهزمها مناظر شهداء وأبرياء ربما قُتل أو أُصيب مئات من المسلمين من حين قراءتك لهذا المقال إلى أن تنتهي وأنت في أتم نعمة وعافية، أصبحنا قلوبا من حجر وقلوبا مستميتة، وجبالا صارمة ثابتة لا تحركها أي أعاصير. |
للأسف انهدت جسور التعاون وتحطمت الأواصر بين العرب، وشيّد عوضاً عنها المشاحنات والمشادات والكره، فالدول العربية جارات لبعضها، ألم يحثنا الرسول عن وجوب حق الجار؟ برأيكم اقتصر ذلك على جيران المنازل فقط واستثنى الدول؟ فالدول المجاورة لبعض لها حق أن تمارس حقوقها كما أمر الله والرسول بذلك، ونحن بدورنا يجب علينا تطبيق هذه المنظومة تحت مظلة الإسلام وبصفتنا مسلمين، قال تبارك وتعالى: {وَاعْبُدُوْا اللهَ وَلا تُشْرِكُوْا بِهِ شَيئاً وَبِالوَالِدَينِ إِحْسَاناً وَبِذِي القُرْبَى وَاليَتَامَىْ وَاَلمَسَاكِيْنِ وَالجَارِ ذِي القُرْبَىْ وَالجَارِ الجُنُبِ وَالصَاحِب بِالجُنُب }. |
واللسان الشعري الذي قال فيه الشاعر: |
هي عادةٌ فينا نرعى حقوق الجار |
هذه الشعوب غدت عزماً بغير قرار |
جرفنا طوفان قوي جعلنا نتلقى الوجبات اليومية المرة من خلال الصحف والأخبار، تحتشد أخبار تدمي القلوب في صفحة واحدة ونحن لا نزال لا يطرف لنا جفن بل أصبح من السهل والمعتاد تلقي هذه اللقمة الضخمة، وإتقان كيفية ابتلاعها وهضمها جيداً من دون تأثير. |
تعاني أمتنا كثيراً من الاجحاف والافتتان بالغرب وذكر إنجازاتهم وتقدمهم وتطورهم، ونعاني بالمقابل من ذم حالنا والتغذي بذكر الإخفاقات وعدم السير مع ركب التقدم مع العلم أن نظرتنا إلى أنفسنا هي مرآة لنظرة الآخرين لنا، فالفشل والإخفاق هو المنظار الآخر للنجاح وهو السلم للقمة مع الاعتقاد أن الله سوف ينصرنا ولو بعد حين. |
السلام انخدش بيننا وانشرخ، وأصبح جرحه يلتهب ويتفاقم بين أيدينا، أيدي الأمة الخيّرة، الوطن العربي بدأت أطرافه تتآكل، ونحن مخدرون، أتساءل: متى سنصبح أسياد أنفسنا؟ متى سيصبح من الصعب إدارة رؤوسنا؟ إلى متى ونحن قابلون للانقياد بسهولة؟ إلى متى ونحن سائرون تحت مظلة سوداء خانقة مقيدة؟ وإلى متى نحن غافلون؟ متى سنفيق من نومنا العميق؟ ومتى سنستعيد رباطة جأشنا وحقوقنا وأراضينا العربية المغتصبة؟ |
للأسف الضمير العربي ضائع، الضمير يحتضر، الضمير أبكم!.. ولكن متى سينطق؟ اشتعلت نار الفتنة والحقد والكره وانتشرت في الآفاق الواسعة، أغنية الضمير العربي التي تعرض حالياً في المحطات كانت سهما أصاب القلب في الصميم، مناظر تقشعر لها الأبدان، وكلمات تهز الأوطان، ولكن ماذا سيفيد البكاء وماذا ستفيد الدموع من غير الإحساس ومن غير العمل على إيقاظه، لأن النفخ في الرماد لا يوقظ الجمر: |
لقد أسمعت لو ناديت حياً |
ولكن لا حياة لمن تنادي |
ولو ناراً نفخت بها أضاءت |
ولكن صار نفخك في رمادي |
قد يرى البعض أن نظرتي تميل إلى التشاؤم والصورة سوداوية، أتفق معك، لكني لم أستطع أن أجعل الصورة بيضاء ناصعة طاهرة وأنا أرى كل ذلك أمامي بشكل شبه يومي، فالعين تشهد وتدمع، والقلب يقطر وينزف، والقلم يعجز ويعتذر، فبالرغم من أني لم أقصد بكلماتي الجميع، أنا لا أعم على الجميع ولكن الخير يخص والشر يعم والكثرة تغلب الشجاعة. |
الكلام يطول إزاء هذه القضية اللا حدود لها، ولكن لكل مشكلة حل، بإمكاننا يداً بيد نبني العدل والإيمان والسلام والعمل على إزالة الغمامة التي أضلت سيرنا وجعلتنا نسير مع القطيع، وجعل الحلم يصبح حقيقة، واتخاذ شعارنا: (سنقاوم مهما قالوا إرهاباً أو عدوان)، ونؤمن بأن الله عز وجل قادر على نصرة عبادة مهما قاوم الأعداء إن الله على كل شيء قدير، وان نعمل على إيقاف الطوفان كما لو أن رسول الأمة صلى الله علية وسلم بيننا اليوم لأننا وللأسف أصبحنا كالريشة في مهب الريح.. فعذراً رسول الله! |
|