في نفس الوقت الذي كانت فيه الناشطة الحقوقية المتوهجة دوماً (الجوهرة العنقري) تعتلي المنبر وتسرد عشراً التوصيات المطالبة بالحد من العنف ضد الطفولة والأسرة في المجتمع المحلي، في ندوة نظمها برنامج الأمان الأسري الأسبوع الماضي.
كان هناك في نهاية الشارع نفسه مهرجان للطفولة (أنا والعالم) الذي تنظمه وزارة الثقافة والإعلام، والذي كان بفعاليته وزواياه يشجر دروب الاكتشاف والبهجة للطفل ويأخذه إلى غابات الاكتشاف ودروب المعرفة حول العالم. وبين هنا وهناك كان مجتمع يحث حراكه نحو الغد والمستقبل.
فالندوة التي نظمها برنامج العنف الأسري، كانت ثرية بالطروحات العميقة والتجارب المحلية التي تستقطب المزيد من الضوء حول الذي كان مسكوتاً عنه لدهور طويلة, وجميع الذي كان يختبئ خلف أستار الحرام والعيب والتحفظ والحذر الاجتماعي الشديد انتقل إلى طاولة المباحثات والنقاش والتدارس، بحيث خرجت الندوة بعدد مهم من التوصيات، ولعل أبرزها هي التوصية المتعلقة بأهمية أن يكون هناك (فتوى شرعية)، تتصدى للكثير من الممارسات المتوحشة التي تتم تحت مظلة التكتم والعيب والحذر من المكاشفة.
وإن كنت على المستوى الشخصي أرى أهمية أن يكون - قبل هذه الفتوى - هناك (تحديد وتعريف واضح لمعنى العنف سواء كان جسدياً أو لفظياً أو معنوياً)، لأن الواقع يدهشنا أن كثيراً من المعنفين لا يعلمون أنهم يقعون تحت فعل عنيف ولا إنساني، ومن ناحية أخرى فإن العديد من الشخصيات المصدرة للممارسات العنيفة ضد من هم حولها، تقوم بها تحت ستار الوصاية، فليس هناك فاصل واضح يفصل بين العنف الذي يمارسه البعض كأمر متواتر متوارث تندرج تحت مظلة إرث ثقافي قد يختلط الثقافي فيه مع التاريخي وغياب الخطوط الفاصلة التي تفصل بين الروابط والصلات العائلية، وبين امتهان الكرامة الإنسانية وإذلالها، بل يصبح عندها العنف جزءاً طبيعياً من هذة العلاقة. ولكن درجة الصدق والمكاشفة، يردفها الحماس والإخلاص في طبيعة النقاشات التي دارت في ندوة العنف الأسري بالتأكيد تبرز لنا مؤشراً واضحاً على حراك اجتماعي مطرد نحو المزيد من الفعل الحضاري والإنساني في حدائق الطفولة، وأيضاً هو مؤشر لأمة باتت تعلم بأن العنف قد خلفته البشرية في الغابات والقفار منذ عصور سحيقة، ولم يعد هناك من حيز إلا للجماعات التي تحترم القيمة الإنسانية وتقدرها، وتجعل لها الأولوية على كل أمر.
وفي النهاية لا نستطيع أن نغفل ونحن مازلنا في حدائق الطفولة الجائزة السامية النبيلة (جائزة محمد بن صالح) للموهوبين من ذوي الحاجات الخاصة والتي وزعت جوائزها يوم الأربعاء الماضي لتمنح المزيد من المساحات المورقة للمكان. مدينة الرياض في الأسبوع الماضي كانت تقرأ كتاب الطفولة الأخضر، وتبتهج بحقولهم وخطواتهم وضحكاتهم النضرة، التي تضيئ دروب الغد.