بيروت ويعلو صمت الجرح...
العراق وتنشز الأصوات تفتك بقاع الآذان...
واللوحة تتبدى تفاصيل مجهولة كل يوم في عجينة ألوانها...
والناس كما هي الاعتيادية تمسح كما المفترسة أفواهها الملطخة بالدماء وتأكل الكافيار في أرقى العبَّارات الراسية على شواطئ البريئين بخبراتهم عن الحياة ...
وتنام وتستيقظ لتسأل عن قائمة طعام الغداء وخطة الفسح اليومية أو برامج العمل ومواعيد الذهاب للتسوق...
وتعج العجينة مختلطة بفيروساتها... والأمعاء الكبيرة تلتقم في رغبة الحياة واللهاث نحو قاطرات الهواء ودواليب الملاهي... همها الأكبر أن تُخرج عن صدورها كمية هواء الشهيق في ضحكات الزفير لتحسن النوم في استرخاء...
***
أخذت نفسي ليومين لأجلس إليه في هدوئه الخلاصة لسنوات استقرت على كتفيه تَحلل من ثقلها بعد أن تَوجَّه للبحر... الوجه الآخر للحياة في حالة أن اجتاز طريق السنوات التسعين حتى يتاخم البحر... قال: حياتي وإن تداخلت بهذه التي تعيشونها لكن همومنا كانت أكثر مثالية وحربنا كانت أشد رقيا ونقاء...
ابتسمت وكان يفهم المغزى... ثمة فكرة لمعت في رأسه قال وهو يصمت عن تسبيحه ليحدثني: أقرأ أفكارك... أنت ابنتي التي غرست ما فيها بذرة بذرة.. وكنت يا غالية وفية لهذا النبات حتى تظلل... قبلت رأسه واتجهت للبحر...
الناس تجلس على شاطئه تعبث أقدامها بمياهه... السابحون قليل.. الغواصون ندرة لا يكاد منهم أحد هنا في الجوار...
تذكرت فجأة سؤال أحدهم وهو يقرأني: أحاول معرفة مشروعك الفكري...
تنبهت إلى أنني بجوار البحر
عدت لأبي ...
قلت له: الناس يحسنون مداعبة الماء...
قال: لكنهم بالكاد يغوصون...
الشاشة كانت على صفحة الأنباء
المسبحة في يده...
كان عليّ أن أقرأ ما في داخل هذا البحر
رأسه الذي لم يعد يرسل غير نظرات عميقة...
وشفتاه تسبحان...
حربهم كانت أمثل...
ووجباتهم جيدة الشواء...
أفرغت حروفي في البحر وعدت أمتح من مائه الذي لا تنفد دواته...
الإنسان كما البحر والغواصون ندرة...
قلت لأبي: حقيقة إن الإنسان أكبر مشروع...
ابتسم لي وهو يقول: جهاد الغوص فيه...!
فجاهدي...