كان الأمير الكريم الشهم في إجازته الخاصة في يخت يمخر فيه المحيط قبالة إحدى المدن السياحية الغربية البعيدة فتلفت بعيني الصقر الصحراوي الحاد لعله يلمح في الأفق بعض ما يعيده إلى صحرائه النائية، أصابه بعض الحنين المباغت إلى رمال نجد أو أنفاد الدهناء أو (أطعاس) النفود الكبرى أو تلال الصمّان المكللة بالنوار والخزامى والأقحوان، أو لعله يرى خفق جناح يمامة تعبر الزرقة اللامنتهاه تأمل في وجوه رجاله الشمّر الذين جاؤوا من مختلف أنحاء جزيرته العربية الغالية ومملكة الآباء والأجداد فتعاظم الحنين في الفؤاد، قال لأحدهم: افتح التلفاز وابحث لنا عن أي محطة فضائية تذكرنا بالوطن قام الرجل وأخذ يدير قرص البحث فوقع على محطة واحدة لا غير وكان يدور فيها حديث عن الشعر بين مذيع وشاعر وبالطبع كان المذيع ومقدم البرنامج الصديق فاضل ثروي الحربي وكان الشاعر هو محمد الفهاد وكانت المحطة هي (الواحة) قال الأمير حسناً: لعلنا نسمع بعض الشعر، ساعتها بالضبط كان الشاعر يتحدث عن معاناته وسوء حظه العاثر وكان من ضمن ما قاله: إنني كتبت قصيدة بالأمير فلان أشكو له الحال منذ خمسة أعوام، ولكن حظي العاثر دوماً جعلها تتعثر دون الوصول إليه أو أن القصيدة ذهبت إلى شخص آخر يشبهني بالاسم عندما اختلطت الأوراق فيما بعد ولم تصل شكواي. ثم طلب المذيع فاضل الحربي أن يُسمعه القصيدة أثناء المقابلة وراح الشاعر يتلو قصيدته القديمة التي مضى على كتابتها عدة أعوام.. وهنا انتفض الأمير كالصقر وانتخى بشيمته الرعبية وقال (إن لم يصلني الشاعر أو قصيدته فأنا الذي سأصل إليه) تعجب رجال الأمير كيف سيصل إليه وهو في عرض البحر وفي أقصى نقطة في الكرة الأرضية عن الشاعر الفقير الذي يتجول الآن في بادية حفر الباطن بالقرب من الحدود العراقية- الكويتية. وقبل أن يمعن الرجال في التساؤل قال لهم: ابحثوا لي الآن عن الشاعر في أي نقطة يكون وأحضروا لي عنوانه على الفور باستخدام كل أجهزة الاتصال.
***
بعد مضي وقت ليس بالطويل عثر الرجال على عنوان الشاعر ثم أمر الأمير الشهم أن يُحوّل له على وجه السرعة مبلغ من المال لم يكن الشاعر يحلم به يوماً على الإطلاق. كل ذلك بالطبع بسبب نخوة وشهامة وكرم الأمير الذي لم تكن تلك (الفزعة) غريبة عليه فقد عُرف عنه منذ الصغر مساعده الناس والعطف على الفقراء وقضاء حوائج المحتاجين ومعالجة المرض على حسابه الخاص وإعتاق الرقاب ومدّ الطرق إلى القرى النائية وحفر الآبار في الصحراء وإيصال الكهرباء للهجر الصغيرة.
***
والآن إذ يعود هذا الأمير الشهم من رحلة علاج امتدت طويلاً بالنسبة لمحبيه فقد آن لهم ولكل من وقف معهم في الحياة ولكل رجل مدّ له يد العون ولكل قرية أضاءها بالمحبة ولكل هجرة تشرب بفضله الماء القراح، ولكل محب للشهامة والرجولة والكرم والنخوة أن يرفع يديه للسماء ويحمد الله على سلامة ووصول صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد ابن الفهد العظيم لأنه جدير بالدعوة والثناء وأكثر الله من أمثال هذا الأمير النبيل وليحذو حذوه في العطاء وأعمال الخير كل رجل مقتدر من رجال هذا الوطن الشامخ العظيم.