قرأت خبراً مفاده.. (طالب فرع هيئة التحقيق والادعاء العام بمنطقة القصيم بالقتل تعزيراً لشاب سعودي في العقد الرابع من عمره لتكراره شرب المسكر، ولتعدد سوابقه التي زادت على 17 سابقة).

من الواضح أن المتهم (مريض) بإدمان الخمر. وهذا -على ما يبدو- هو الباعث لتكرار ممارسته لهذه الجنحة التي جرى تغليظ عقابها. العقوبة ليست بالضرورة هي الحل، وليس الردع دائماً يكون بتغليظ العقاب كما يتوهم بعض الناس. العلم الحديث أتاح لنا وسائل علاجية هي في المحصلة أقدر على (الردع) من أن تعزر المتهم بالعقاب الجسدي. قد أفهم لماذا لجأ السلف إلى تغليظ العقوبة طلباً لحماية المجتمع من هذه الانحرافات، غير أن السلف الذين أقروا التغليظ تكريساً (للردع)، لم يكن لديهم ما لدينا من بحوث ونتائج علمية لهذه البحوث ووسائل تكاد أن تصل نتائجها إلى درجة الحقيقة. هذه البحوث تؤكد أن المدمنين يمكن ردعهم وحماية المجتمع من تجاوزاتهم (بعلاجهم) طبياً وليس بتعزيرهم والتغليظ فيه.

وإذا كان جلَّ وعلا يقول في كتابه الكريم {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}فإن أهل الذكر هنا هم أهل التخصص من الأطباء النفسيين الذين يؤكدون أن علاج الإدمان (طبياً) غاية يمكن الوصول إليها، فلماذا لا ندرأ القتل (بالعلاج الطبي) طالما أن المطلوب هو الردع وليس القتل؟

وأتذكر -بالمناسبة- حادثة حصلت للشيخ المصري محمد عبده يقول راويها: إن الشيخ قابله أحد المستشرقين وسأله عن الآية {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ}. قال المستشرق: ما دام في القرآن هذه الآية، فأريد أن أسألك كم رغيفاً ينتجه إردب القمح؟ فقال: انتظر، ونادى الشيخ على أحد الخبازين وسأله عن ذلك فأجابه، ونقل الجواب إلى المستشرق. قال المستشرق: طلبت منك إجابة من القرآن لا من الخباز. فقال له الشيخ: وهناك آية في القرآن تقول: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}، وأهل التخصص هنا هم الخبازون وليس الفقهاء!

دعونا نسمع ما يقوله (أهل التخصص) في هذا المجال. الدكتور محمد الجندي استشاري الطب النفسي في مجمع الأمل للصحة النفسية في الرياض، ينقل لنا رأياً علمياً عن البروفيسور مالك البدري الذي يقول: (إننا لا ينبغي أن نتعامل مع المدمنين على أنهم (مجرمون) لأنك ستضع عندئذ بينك وبينه فجوة، وكأنك تحفر بينك وبينه قناة يصعب ردمها بعد ذلك. وفي البخاري أن أحد الصحابة شرب الخمر فجُلد ثم شرب مرة أخرى فلعنه رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله). ويواصل: (ومن أهم أساليب علاج المدمنين أن نشعرهم أنهم محترمون من قبلنا. فالمدمن إنسان مسلم مبتلى ومصاب ويحتاج إلى الاهتمام والرعاية)، ويقول: (قد يشعر أن المجتمع يكرهه، وهذا شعور غير سليم، لأننا نحن المسلمين نكره ما يفعل الشخص، ولا نكره الشخص نفسه ولا نحتقره).

وكل ما أطالب به هنا أن يراعى في الموضوع رأي (أهل الاختصاص)، وأن ندرأ القتل بالعلاج ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.