المعضلة الكبرى التي يخيفني عدم تصوري لحدود يمكن أن تقف عندها، هي أننا عندما تستقيم الأمور ولا نجد ما نشغل به أنفسنا ونبرز ما نعتقده من علمنا وثقافتنا نتوهم وجود المشكلة، ونجتهد في مناقشة وإثارة ما توهمنا وجوده، فنضع تصورات وحلول مبتكرة لا تخلو من التطرف أحياناً، وتتسبب حلولنا هذه التي نجتهد في وضعها وصياغتها بحدوث مشكلات حقيقية نعجز عن حلها، لنجد أننا من حال مستقرة ومن أمر لا وجود للمشكلة فيه، خلقنا بغباء وأنانية عالماً يعج بمشكلات عديدة لا نجد لها حلولا، تكبر مع الزمن ككرة ثلج نتوارثها جيل بعد جيل، الغريب أن هذا التوهم يمنحنا شيئاً ما عندما يبدأ الناس لغايات مختلفة بذكر أسمائنا أو ترديد بعض آرائنا وكلماتنا فيزداد تمسكنا بوهم وجود المشكلة حتى نصدق ما توهمناه بمرور الوقت.
التيارات الفكرية التي تظهر الآن وتسعى للتوسع والانتشار وإيجاد مكاناً لها في مجتمع لم يكن يعرفها، كان يعيش حياته بدونها بتوحد واتفاق فريد مغبوط تحت دواعي كسر الجمود والبحث عن فرص أكبر للتطوير والإصلاح وغيرها، لم تكن تعالج مشكلة حقيقية واضحة في بداية الأمر، بقدر ما كانت تبحث عما يظهر معرفتها أو ثقافتها وإيجاد مكانة لمروجيها ودائماً أقصر الطرق للبروز والظهور تكون بإحداث أمر يخالف اتفاق الغالبية من باب خالف تعرف، فكثر اللغط والحديث عن الجديد وتشعبت محاور مناقشته أو تحليل غاياته، فاستفاد من هذا مروجو هذه الأفكار الجديدة بصفاتهم الشخصية عندما تناقل الناس عباراتهم ورددوا أسماءهم وخصصوا لهم مكاناً في وسائل الإعلام من باب محاورتهم لاستيضاح أمرهم، مما أعطى هؤلاء قناعة بجدوى ما يحدثونه، فقد تحققت فائدته المباشرة عليهم وأصبحوا ممن يشار إليهم، فصدقوا ما يدعون إليه وتفندوا في خلق الحلول والمقترحات التي بدورها تسببت بحدوث مشكلات حقيقية متشعبة تزداد آثارها يوماً بعد يوم.
التغير الذي أرى بوادره السلبية على مجتمعنا، والذي بدأ بتعدد المشكلات الحقيقية التي علينا مواجهتها نتيجة حلول وأفكار جاءت من توهم وجود المشكلة، لا أتوقع أنه سيقف عند حدود ما يدور في حوارات ما يسمون أنفسهم بالنخب الثقافية، لأننا فهمنا الموضوع بطريقة معكوسة، فغيرنا يتولد لديهم تيارات فكرية لمعالجة وضع غير مستقر للوصول به للاستقرار، بينما نحن في الغالب بما نثيره من تيارات فكرية نسعى لتغيير وضع مستقر ثابت يحظى برضا عام إلى وضع أساسه التقلب وعدم الثبات.. والله المستعان.
naderalkalbani@hotmil.com