الدكتور نلز يبلغ من العمر حوالي سبعين عاماً، ممشوق القامة، يتمتع بصحة وحيوية ونشاط، ويمارس عمله بكل كفاءة واقتدار لساعات طويلة كل يوم في أحد مراكز طب الأسنان في مدينة الرياض، جرى الحديث معه عن الحياة المعاصرة وكثرة أمراضها،،،،،،،
وأن من يتجاوز الخمسين لابد أن تجد عنده واحداً أو أكثر من أمراض العصر المتمثلة في السكري، والضغط، وأمراض القلب، والكلى والنقرس وغيرها، وأن كل من بلغ ذلك العمر لابد أن يستخدم نوعاً أو أكثر من الأدوية، وأضاف: هناك أناس كثيرون يستخدمون أدوية ليس من الضروري أن يستخدموها.
وقد كنت في الصين قبل ثلاثة أعوام، وكان من ضمن برنامج الرحلة زيارة مركز للتدريب الطبي، هناك استعرضت إحدى الممرضات وبلغة إنجليزية جيدة تاريخ الطب الصيني المعتمد على فلسفة الحياة عندهم، والتي تقول إن الإنسان مكون من عناصر إيجابية وعناصر سلبية، وإذا اختلت العلاقة بين تلك العناصر فإن الإنسان يمرض، وعندها يجب على الطب أن يتدخل لإعادة التوازن لتلك العلاقة، وذكرت العناصر السلبية والإيجابية في جسم الإنسان، ولكني مع الأسف لم أتبين الإيجابي والسلبي منها، ولكنها ذكرت ضمن ما ذكرت القلب، والكبد، والطحال، والكلى، والرئتين. وقالت بأن الأطباء عندهم يكشفون على المريض بطريقة تختلف عن الطريقة الغربية، حيث ينظرون إلى وجهه وعينيه، ويجسون نبض يديه، وقبل أن أنصرف، عرضت علي إمكانية أن يكشف علي أحد أطبائهم الكبار، فوافقت، ولم يمض وقت حتى دخل علينا رجل فارع الطول، عريض المنكبين، له جسم متناسق، وقد بدت بعض الشعرات البيضاء في حواجبه، وجلس أمامي، وتم إحضار مخدتين صغيرتين الواحدة منها في حجم شطائر (كودو) وضعتا أمامي على الطاولة، ووضعت يدي عليهما حسب ما طلبت الممرضة مني، وكانت تقوم بدور المترجم، وجاء الطبيب من الجهة المقابلة، وجس نبض كلتا اليدين، ونظر في وجهي وعيني، وطلب مني إخراج لساني، وبدأ يشخص حالتي، قال: أنت تعاني من عسر في عملية الدورة الدموية، وتعاني من مشكلات في الكلى، ولديك ارتفاع في الكولسترول، وكان كل ما قاله صحيحاً، ووصف أدوية صينية تعتمد على الأعشاب، وقال إن بعضها يؤخد من قمم جبال الهمالايا، وذكر لي أن معظم ما أسماه الأدوية الغربية ضار وله تأثيراته الجانبية السلبية على الجسم، لقد استخدمت العلاج الذي أعطاني إياه وتحسنت حالتي كثيراً، وخاصة في موضوع الضغط الذي اعتدل بدرجة واضحة وملموسة رغم ضغوط السفر ومشكلاته، إن التداوي بالأعشاب، وبالأدوية التي تستخلص منها بدون إضافات كيماوية يجب تشجيعه ودعمه، وهذا الاتجاه يشكل ظاهرة ما يسمى بالطب البديل الذي يمكن بواسطته الاستغناء أو التخفيف من استخدامات الدواء الذي يدخل في تركيبته الكثير من العناصر الكيماوية الضارة، إن معظم شركات الأدوية الحديثة لا يهمها إلا ما تجنيه من أرباح وأموال طائلة من بيع تلك الأدوية.
وتمتد المتاجرة بصحة البشر إلى أولئك الذين تبلغ بهم الجرأة إلى ممارسة مهنة الطب وهم لا يملكون أدواتها، فالبعض كان يعمل سباكاً، أو ميكانيكياً، وبقدرة قادر يتحول إلى طبيب بشهادة مزيفة، وحول هذا الموضوع قدم برنامج (99) الناجح الذي تبثه القناة الرياضية السعودية حلقة بعنوان (الطبيب الجاني) وكان من ضمن الأطباء المزيفين المتاجرين بصحة البشر طبيب كان يعمل في أحد مستشفيات الطائف، كشفه أحد المرضى عندما تبين له أنه كان يعمل في مرقص ليلي في دولة عربية، وبعد كشفه تبين أن شهادته مزورة، وقدم البرنامج بعض ضحايا هؤلاء الأطباء المزيفين، فأم تبكي بجوار ابنها الذي أصيب بشلل بسبب خطأ طبي، وشاب يفقد بصره لخطأ مشابه، ومثل ذلك يمكن أن يقال عن الذين يمارسون الطب الشعبي دون أدنى معرفة به، أو يعالجون جميع الأمراض بوصفة واحدة,.
ومن جهة أخرى، يذكر أحد المطلعين على خفايا شركات الأدوية أن تلك الشركات تصدر الكثير من الأدوية الضارة والقاتلة للدول النامية!! ويذكر أنه جمع معلومات على مدار سنوات طوال في أقراص مضغوطة كثيرة تثبت صحة ما ذهب إليه، ومع توالي الأخبار التي يقرؤها المرء في وسائل الإعلام عن شركات الأدوية، ومع ظهور موجة التداوي بالأعشاب الطبية، والطب الشعبي، غداً من الراجح أن كلام ذلك المطلع على خفايا شركات الأدوية يميل للصحة، ففي تايلاند كل الأطباء الصينيين - الذين يمارسون الطب الشعبي الصيني وهو طب له أكاديميات عريقة وأطباؤه يدرسونه كما يدرس الطب الحديث - لا ينصحون أبداً بتناول الأدوية الغربية، ويقولون إنها كلها سموم، وتترسب في الكبد والكلية وتحدث آثاراً مدمرة على مر السنين. إن مكاسب شركات الأدوية العملاقة تقدر بمئات المليارات!! كما أن تلك الأدوية تسببت في وفيات تقدر بالآلاف حسب إحصائيات علمية معتبرة، وهناك آلاف القضايا اللاتي ترفع في المحاكم الأمريكية ضد شركات الأدوية التي تسببت عقاقيرها في موت إنسان أو تعرضه لأزمة صحية عنيفة.
من يدري.. لعل كثيراً من حالات الوفيات في عالمنا الإسلامي سببها تلك العقاقير فكثير منها يدخل إلينا دون أي رقابة، وكم ضبطت أدوية فاتت صلاحيتها، وكم رأينا عقاقير بأسماء دولية وعندما نقارن بمثيلتها التي صنعت في بلد المنشأ نجد الفارق الشاسع، ففي تحقيق نشرته جريدة الأخبار المصرية في 3 صفر 1429هـ وجد أن حوالي 12% من الدواء الذي يباع مغشوش، وأن حجم تجارة الأدوية المغشوشة وصل إلى 80 بليون يورو في العام، وتم اكشاف 27 ألف عبوة دوائية مغشوشة في حملة واحدة من حملات التفتيش، وفي التحقيق أكد د. محمود إبراهيم أن أهم الأدوية التي تعرضت للتقليد والغش خلال الفترة الأخيرة هي الأدوية الحيوية المستوردة غالية الثمن مثل حقنة (زوميتا) لعلاج سرطان نخاع العظام حيث تم تقليد عبوتها بدقة مع وضع مكونات خالية من المادة الفعالة وبيعها للمواطنين بسعر 1350 جنيها.. وهنا أيضاً دواء (بلافيكس) للسيولة والحيوي لمرضى الجلطات.
كما تم أيضاً غش دواء (السلسيب) الذي يعيش عليه مرضى زرع الأعضاء حتى لا تلفظ أجسامهم العضو المزروع وكلها أدوية حيوية يمكن أن غشها يؤدي لتهديد حياة المرضى بما يعكس انعدام ضمير من يقومون بهذه الجرائم.
إن المعركة التي تدور رحاها بين الشرق والغرب تأخذ مداها في مجال الطب أيضاً، وتختزل كثيراً من معاني الغلبة والقهر والعلو والتسلط حين نعرف أن الطب الشعبي القديم ينظر إليه في الدوائر الغربية الآن باحترام في محاولة لإعادة اكتشافه وتطويره، في حين أنه ما زال يمثل عند البعض منا شيئاً من ذلك النقص الذي يجب أن يتبرأ منه، إنني لا أدعو إلى طب شعبي متهرئ بعيد عن القواعد العلمية والأبحاث المرموقة، بل أدعو إلى إنشاء طب إسلامي ينطلق في أسسه من الطب النبوي الذي يعلي من شأن الحمية، ويعلي من شأن الوقاية قبل العلاج، وأن تكون المصلحة العامة هي الغاية والهدف بعيداً عن المتاجرة بصحة البشر واستغلال عللهم وأمراضهم لكسب المزيد من الأموال والثروات، والله من وراء كل شيء.
أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام، رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية فاكس 012283689
ahsfaqeeh@gmail.com