يخطئ مَن يظن مجرد ظن عارض أن هناك ثقافة شعبية عربية واحدة أو أن ثمة مشروعاً نهضوياً عقلانياً عربياً أو إسلامياً خالصاً يرسم لنا نحن العرب طريق البناء الحضاري الشامل، ويؤمن به وينتظم في سلك العاملين من أجله الشعب العربي بأسره؛ ولذا لا بدَّ من الاعتراف بوجود ثقافات عربية شعبية متعددة وبحمولات فكرية متباينة تباين الشرق عن الغرب واختلاف الشمال عن الجنوب، وأعتقد أنني إلى هذا الحد لم آتِ بجديد، ولا هو أمر مستغرب تعدد الثقافات الشعبية في البلاد العربية بل إن هذا هو المطلوب والواقع، وأكثر من ذلك نجد في البلد الواحد - أياً كان هذا البلد - ثقافات شعبية (فرعية) متعددة ذات مشارب ومعالم مختلفة تقترب وتبتعد عن الثقافة الأم بنسب متباينة, ويقف خلف هذا الأمر المقرر أعلاه - كما هو معلوم - أسباب عدة قد تكون أسباباً عقدية أو عرقية أو تربوية أو جنسية أو عمرية أو بيئية أو... ولكن الجديد والغريب - في نظري - أنني قابلت في رحلتي التي ما زلت فيها متنقلاً بين عدد من البلاد العربية قابلت عدداً من الأكاديميين والمثقفين لا يعرفون شيئاً عن أبرز معالم ومفاصل ثقافتنا السعودية الشعبية في إطارها العام أو أن لديهم معلومات مغلوطة وغير صحيحة وصلت إلى مرحلة القناعة التامة، وسمعت من هذا العربي أو ذاك أشد مما قاله بعض المستشرقين الغربيين عنا في المملكة العربية السعودية، خاصة عندما يصل الأمر إلى مطارحة القضايا المفصلية الساخنة ويكون التساؤل ويدور النقاش حول الشخصية السعودية في ملامحها العامة؛ ولذا فإنني أقولها وبتوجع: إن كنا نشتكي من جهل أولئك الغربيين بنا وعدم معرفتهم لنا أو إسقاطاتهم تصورات بعض الكتاب المغرضين على الجميع وبدون علم ولا رويّة ولا تقص وتحرٍّ للحقيقة، إذا كان الأمر كذلك في أوروبا وأمريكا و... فمن باب أولى أن نحزن أشد الحزن على أنفسنا؛ إذ إننا لا نعرف ذواتنا ويجهل بعضنا بعضاً، وجزماً، كما أن هناك من لا يعرفنا شعبياً، فإن منا من لا يعرف شيئاً عن ثقافة شعب المغرب العربي مثلاً أو أن لديه صورة مشوشة عن الثقافة الشعبية هناك، وفي المقابل قابلت عدداً من حملة الشهادات العليا من الجنسين يعتقد بإمكانية تحقق ثقافة شعبية عربية واحدة في الزمن المنظور القريب بعد هذا التشظي الموجع وذلك نتيجة ارتفاع مستوى التعليم في كثير من بلادنا العربية، وبفضل سهولة الاتصال عبر الإنترنت والقنوات الفضائية، ويرى أن هذه الثقافة الشعبية المرتقبة تقوم على أربع ركائز أساس (الفردية والجمال والحرية والاختزال المعرفي)؛ فالتحرك نحو بناء جسور الثقافة العربية المشتركة لن يأخذ صورة العمل المؤسسي الرسمي أو حتى الأهلي المنظم، وإنما يتكئ على التواصل الفردي الخاص والمحرك في هذه الصورة الجميلة والوسيلة الطاغية اللغة العربية الحرة التي لا تلتزم بالضوابط والقواعد المعروفة بل تتشارك مع اللغات العالمية، خاصة الإنجليزية والفرنسية، حين التواصل اليومي المعروف والطابع العام لهذا البناء التكاملي الشعبي المتوقع الاختزال المعرفي في دائرة ما يحقق التواصل الغريزي في هجيع الليل الآخر من خلال برامج ومواقع لا ضابط لها ولا رقيب عليها، وهذه طبعاً إن وجدت فهي - في نظري - ثقافة شعبية هشة تنسف ثقافات شعبية عديدة تقوم على قيم سامية افتخر بها أهلها ردحاً من الزمن غير قصير، وما زالوا، ويراهن هؤلاء على هذا الطرح الذي يحتاج فقط إلى الوقت، وهو ليس بوقت طويل في نظرهم، وإزاء الحالة الأولى، والتي لها أسبابها المتعددة، أطرح في هذا المقال فكرة القيام بدراسة موسعة تهدف إلى معرفة الصورة الذهنية لنا نحن الشعب السعودي في البلاد العربية، ولدى جميع الطبقات المجتمعية، والمرشح للقيام بمثل هذا المشروع الضخم وزارة التعليم العالي، ممثلة بالمتخصصين من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية بسيكولوجيا الجماهير والثقافة العامة، وبتسهيل ومتابعة من الملحقيات الثقافية المتواجدة في هذا البلد العربي أو ذاك مع وجوب التنسيق والتعاون مع السفارات والقنصليات والجهات ذات العلاقة بالبحث العلمي المبني على الدراسات الميدانية المتخصصة كما هو معلوم، كما أن على المؤسسات الرسمية دوراً مهماً في تشجيع البحوث الميدانية المماثلة واستغلال المناسبات المختلفة للتعريف بالثقافة الشعبية العامة في ملامحها ومرتكزاتها الأساس كالمشاركة في معارض الكتاب ومؤتمرات علم الاجتماع والندوات والمحاضرات التي يشاركها فيها ويحضرها العرب وكم هو التطلع كبير في أن يدرس القائمون على مهرجان الجنادرية والأسابيع الثقافية التي تقيمها وزارة الثقافة والإعلام يدرسون السبل الكفيلة ببناء الصورة الذهنية الإيجابية والصحيحة عنا نحن أبناء هذا الوطن المعطاء المملكة العربية السعودية في البلاد العربية المختلفة خاصة المغرب العربي العزيز ويعمل على نقل التصورات النظرية إلى عمل فعلي منظم ومدروس، وهذا - في نظري - أمر هام وضروري في عالم اليوم، أما عن الحالة الثانية فالحديث عنها يطول وأتركه لمقال آخر بإذن الله.