لله في خلقه وكونه سنن وتشريعات، تضبط حركتها وتنظمها، وتسيرها بانتظام وإحكام، كل شيء عنده بمقدار، وفي الإنسان والكون أسرار تجل عن الوصف والإحاطة، ونظراً لعظمة سنن الله، وعلو شأنها، ودقة تكوينها، فإنها مجال رحب خصب للتدبر والتفكر والتأمل، وإعمال العقل للكشف عن أسرارها وخباياها العظيمة، ومن هذا المنطلق يتبين أننا أمام مصدر هائل من المعطيات التي يمكن توظيفها واستثمارها باعتبارها محفزات للإلهام والإبداع متى ما أحسن الاستفادة منها، لذا (يحتاج طلابنا إلى مزيد من الوعي بسنن الله تعالى في الخلق، وإلى مزيد من المعرفة بالطبائع التي فطر الله سبحانه الأشياء عليها، لأن ذلك هو عماد التفكير المنهجي).
فما زال في الإنسان ما لا يحصى من العبر والخفايا والمكنونات والمكونات التي لم يتم إدراكها، بدءاً من الخلية وما تحويه من سيالات عصبية وكهربية، وارتباطها وعلاقتها بالجهاز العصبي المركزي واللامركزي، ونوافذ الإحساس من حيث تركيباتها ووظائفها، والمخ وخلايا العمليات العقلية، والتركيب الفسيولوجي والحيوي الكيمياوي للأعضاء ووظائفها، فأينما نظرت في الإنسان تجد مجالاً للتبصر والتفكر، قال تعالى (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) الذاريات الآية 21.
كما أن الكون ما زال مصدر إعجاز يتجدد، وإلهام يتقد، وتحد يحفز، يدفع العقل البشري إلى الإبداع والابتكار، في معطيات البر والبحر والفضاء، في صور الجمادات والحيوان والنبات، وكل مخلوقات الله حبلى بالعجائب والغرائب، وستظل هذه المخلوقات معيناً لا ينضب بالجديد والمفيد كلما تعامل معها العقل البشري بقدراته ومنهجياته التي تمكنه من كشف الأسرار والإفادة منها في تسيير الحياة وإعمارها.
وحتى يذكى العقل ويدفع إلى تأمل ملكوت الله، وتدبر مخلوقاته، لابد من توجيه الطلاب وإرشادهم إلى مظان إعمال العقل وتدريبه على التفكر والتدبر، ومواطن سنن الله في الخلق، وهي كثيرة في الكون وفي الإنسان نفسه ومن حوله من جماد وحيوان، فما أروع أن يطلب المعلم من طالب أو مجموعة طلاب أن يبحثوا في ظاهرة معينة، أو سنة من سنن الله، يجمعون المعلومات عنها و يحللونها ويستنتجون معارف جديدة منها، وبهذا يتعرفون على مناهج إنتاج المعرفة، وأساليب تنميتها، من خلال تدريبهم على إجراءات الملاحظة وتدوينها، أو بطرح التساؤلات والإجابة عليها، أو طرح موضوعات افتراضية يطلب كتابة تقرير عنها وفق الخطوات العلمية التي تقوم على التشخيص والتحليل والاستنتاج وتقديم الحلول والتوصيات.
إن استغلال المرحلة العمرية والعقلية للطلاب أثناء مراحلهم الدراسية في التعليم العام من خلال زيادة وعيهم بما حولهم واكتشاف مكنوناته، تعد من الخطوات الموفقة في سلم التكوين، واستثمار المصادر المتاحة في التفوق والنجاح.