كثر في الآونة الأخيرة لوم وانتقاص هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتقليل من شأن أعضائها، وتتبع أخطائهم (على قلتها) مقارنة بما يقدمون من جليل الأعمال حراسة وحماية للمجتمع من آفات وشرور أشرار لا يريدون إلا الفساد والإفساد في هذا البلد الآمن الكريم.
وليت اللوم وقع على رجال الحسبة فقط على عظم ما يواجهون من أخطار، وعلى جليل ما يقومون به من أمر بمعروف ونهي عن منكرات!
بل إن الأمر تعدى هذا بكثير، وهذا يلحظ من خلال بعض الكتابات في بعض الصحف لكتّاب -هداهم الله- لم يتورعوا عن انتقاص علماء هذا البلد!
نعم، لقد وصل الانتقاص إلى علمائنا الكرام، وممن؟
لو أن عالماً لام عالماً لقُبِلَ الأمر، فالعلم والعلماء درجات وهم يعلمون ذلك ولو أن عالماً خالف عالماً فكذلك الأمر مقبول وطبيعي.من وجهة نظري أن (الحراك الثقافي) في بلدنا الغالي يعاني من خلل جسيم، ولن يسير هذا الحراك بشكل سليم ولن يؤتي ثماره المرجوة ما لم يُعالج هذا الخلل، فما هو هذا الخلل؟
إنه (عدم احترام التخصص)، وهذا يبدو جلياً من خلال كتابات بعض الكُتَّاب وغالباً من ذوي الأعمدة الثابتة في بعض الصحف.
إنك لتجد كاتباً يخوض معترك قضايا عقدية، وينبري لقضايا جسام، يحتاج من يدخلها ويدلي فيها بدلوه إلى علم شرعي وافر مسنود بأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا إلى كاتب لديه شهادة جامعية تخصصه في اللغة العربية أو الاجتماعيات أو غير ذلك من التخصصات، ولو سئل عن الناسخ والمنسوخ أو عن الحديث الحسن والمتواتر أو عن قاعدة شرعية أو فقهية لحار ولم يجد جواباً!!
إننا نستهجن من يتحدث في المجال الطبي وهو لم يفتح كتاباً في الطب قط، وننكر على من يجادل في قواعد اللغة ودقائقها وهو غير ضليع بها، بينما لا نستنكر على من يناقش ويجادل في أمور العقيدة والشرع، ويبدي (رأيه) في أمر من أمور الدين الحنيف وهو خالي الوفاض من علم شرعي، بل إنه يُحَكِّمُ العقل و(يُعْمِلُ) عقله، وهذا العقل وإعماله جره إلى تسفيه وانتقاص علماء راسخين في العلم لمجرد مخالفتهم (رأيه وهواه)!!!نعم، إن علماءنا الكرام بشر غير معصومين، ومن يقول إنهم معصومون؟
هم يخطئون ويصيبون، ولكن ليس من المروءة تتبع أخطاء وزلات العلماء، وعلى الخصوص في الأشياء الخلافية، هذا إن وجدت أخطاء.
بل إن الواجب علينا أن نترك تقييم العلماء للعلماء أنفسهم، فهم أعرف وأعلم ببعضهم البعض منا ولا شك، وإن شئتم ارجعوا إلى ما دار بين العلماء من حوارات، أو ماذا قال بعضهم عن بعض لتروا الاحترام والأدب الجم فيما بينهم، وكيف يتواضع بعضهم لبعض وهذا ليس بغريب على علمائنا الكرام الأجلاء.
(العلماء).. ما أثقل وأجمل وأجلّ هذه الكلمة، وما ثقلها وجمالها وجلالها إلا من جمال وجلال (وثقل) ما يحمل هؤلاء الرجال من علم لا غنى لنا عنه في ديننا ودنيانا، رضي من رضي وأبى من أبى.
وإنا لنتعبد الله سبحانه بحبهم وإجلالهم وتوقيرهم، ونتعبد الله جل علاه في حب من أحبهم وبغض من أبغضهم، ونتعبد الله جل شأنه في الذب عنهم في كل مجلس وكل محفل.
أختم مقالي بعبارات قيمة وردت في كتاب الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله: (فتاوى إمام المفتين ورسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم) في فصل عنوان (جاء الرسول صلى الله عليه وسلم بخير الدنيا والآخرة) جاء فيه:
(جاء الرسول صلى الله عليه وسلم بخير الدنيا والآخرة برمته، ولم يحوجهم الله إلى أحد سواه، فكيف يُظن أن شريعته الكاملة التي ما طرق العالم شريعة أكمل منها ناقصة تحتاج إلى سياسة خارجة عنها تكملها، أو إلى قياس أو حقيقة أو معقول خارج عنها؟ ومن ظن ذلك فهو كمن ظن أن الناس بحاجة إلى رسول آخر بعده، وسبب هذا كله خفاء ما جاء به على من ظن ذلك، وقلة نصيبه من الفهم الذي وفق الله، أصحاب نبيه الذين اكتفوا بما جاء به، واستغنوا به عما سواه، وفتحوا به القلوب والبلاد، وقالوا: هذا عهد نبينا إلينا وهو عهدنا إليكم. وقد كان عمر رضي الله عنه يمنع الحديث من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية أن يشتغل الناس به عن القرآن، فكيف لو رأى اشتغال الناس بآرائهم وزبد أفكارهم وأذهانهم عن القرآن والحديث؟ فالله المستعان) انتهى.
al-boraidi@hotmail.com