شيخ وقور وضيء الوجه حسن السمت لا يخرج كلامه إلا همسا يعي المجاور له ما ينطق به من أول وهله لترتيبه المفردات ووضوح المخرج والتركيز على الهدف من البيان على مبدأ (خير الكلام ما قل ودل).عاش في بيئة قاسية بحكم متطلبات الحياة فلا يرى العقل الجمعي لهذه البيئة (وهم يعذرون في ذلك) أن رفع الصوت في المجالس والمنتديات ما هو إلا دليل على قوة الشكيمة وخلاصة الرجولة.
فكان هذا الشيخ الوقور نسيج وحده مرجعاً لأولئك الذين يضيقون ذرعاً بهذه الضوضاء فإذا جلسوا بجواره تعلموا منه خفض الصوت الذي ينتهجه الأدب الإسلامي، وإذا افتقد بعضهم صفاء السيرة ورانت على قلبه علامات الضغينة والحسد حاول الاقتباس مما يحمله هذا الشيخ بين جنبيه من قلب صاف كصفاء الماء الزلال، وإذا ادلهمت الخطوب والمشكلات على بعضهم سارع إلى الشيخ لينهل من بساطته وتفاؤله وصبره وثقته في الله فيعود هذا ممتلئاً بالتفاؤل بحل جميع ما يعانيه، وإذا استعصت الدنيا وزخمها على مريدها وأعياه اللهاث واللحاق بالآخرين ذهب إلى الشيخ فيرى فيه الزهد الذي لا يأبه بهذه الدنيا وطنينها فيعود وقد ارتوى قلبه بالقناعة وعاد إلى ربه فتنفتح له أبواب الرزق وتطمئن نفسه. كانت تربيته لأولاده قدوة في أفعاله بعفوية متناهية وأبوة خالصة وأمانة مستشعرة وكان الصمت والسمت والهدوء والأناة والحلم وسائله في التربية فأتت أكلها بنجاح منقطع النظير.
عاش مع زوجته أم محمد ما يقارب (ستين عاماً) لم تسمع منه كلمة نابئة واحدة وهي تروي ذلك عنه فأعطى للحياة الزوجية بعدها الإسلامي القويم.
ترك الدنيا بإخلاص العابد القانع فانتصر عليها بزهده وورعه فأتته هذه الدنيا تجر أذيالها إلى حوافي قدميه.
صاحبه الأول القرآن فتجده بجواره، ومكان اطمئنانه المسجد فلا تراه يغادره حتى يعود إليه مرة أخرى وملجأه الذكر المتواصل فلا تراه إلا مسبحاً ومحمداً ومهللاً، إنه الشيخ الوقور أبو محمد الوالد (محي بن علي البسامي) رحمه الله رحمة واسعة وأجزل له المثوبة وعظم أجر أهله ومحبيه وزوجته وبنتاه وأولاده النجباء الكرام وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه.