في ثلاث مقالات سابقة حدثتك عن السعادة في يوم وكيف تنظم يومك وتخطو فيه خطوات تجعلك تعيش فيه سعيداً، وحتى لا تطول المقالة وتملني ونثقل كاهلك بزحام المطالب والخطوات اضطررت أن أتوقف عند المقالة الثالثة لكنني وعدتك بإكمال الفكرة ومواصلة مشروع (اليوم السعيد) ببعض المقالات شبه التابعة تحت عناوين مختلفة وقد تكون برؤى مستقلة.
وحديثي معك اليوم هو عن الفكرة والخاطرة التي تعرض لك في بداية يومك أي عندما تستيقظ لصلاة الفجر ستهجم عليك خاطرة يؤزها الشيطان بأنك فيك كذا وكذا وأنك لا تستطيع كذا.. إلخ من الأفكار السلبية المتشائمة.. طبعاً المسلم والمؤمن بناء مصمد محصن ضد الشيطان وكيد الشيطان ضعيف ووساوسه تتحطم وتعود خائبة أمام إيماننا وقوة بنائنا لكنها تعمل وتؤجج من قبل هذا العدو إذا وجدت ثغرة ومدخلا في هذا البناء، ومداخل الشيطان كثيرة ذكرناها في أكثر من موضع منها المعصية والغضب وإساءة الظن والحسد والتردد ولو والتشاؤم.. الخ.
ودعنا نفترض أن الفكرة السالبة التي ستفجؤك في بداية يومك هي أنك مريض بالقولون مثلاً - أسأل الله السلامة والعافية لي ولكم - إذا استجبت لهذه الفكرة الوسواس التي قذف بها الشيطان وأراد أن يضعفك ويشوش عليك يومك فإنك ستكسل وستضعف طاقتك وسيضيق صدرك وفوراً ستتحسس معدتك وتقبل وتدبر بيدك على مواضع الألم في بطنك وبقية جسمك وسينقضي يومك وأنت مسلط التفكير على هذا المرض الذي بدأ بفكرة ونزغة نزغها الشيطان وخطوة فخخها لك الشيطان فخطوت بعدها خطوات:
{وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}. حتى أوقعك في شراكه وجعل يومك تقضيه في الكسل والعجز والتفكير بنتائج هذا المرض وزيارات متكررة لعيادات الأطباء، وأنا هنا لا أقصد بأن مرض القولون هو مرض وهمي ومن الشيطان.. لا فقد يكون هناك من يتألم فعلياً من القولون لكنني مثلت به هنا لكثرة من يشتكي منه نتيجة اضطرابات في المعدة وتقلصات جاءت نتيجة الحالة المزاجية للشخص وكثرة التفكير السلبي، وكذلك تذبذب واضطرابات نبضات القلب..
عندما تستجيب لهذه الفكرة السلبية التي هي من الشيطان ستحصد ما سبق أما إن رفضتها وطردتها وروضتها وجعلتها تعمل لصالحك بأن تقول مثلا أنا بحول الله وقدرته صحيح سليم فإنها ستذوب وتضمحل في الحال لكنها لن تنتهي فستعود بطريقة أخرى وبفكرة سلبية جديدة ولابد أن تكون واعياً ومنتبهاً طوال يومك كل ما تلوح لك فكرة سلبية ووسوسة شيطانية اقلبها في الحال إلى إيجاب واستمر في عملك المركز اليومي وانتبه أن تجلس طوال يومك خاملاً دون عمل تنتظر هذه الأفكار السالبة لتحولها إلى إيجاب فهذا يضرك ولا ينفعك فنحن أمة العمل: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ} وكما قال عليه الصلاة والسلام (مضى زمن النوم يا خديجة).
والأفكار السلبية السوداوية مثل التفكير بالفشل والمرض والإحباط واليأس وتسليط الفكر على المصائب والمآسي هذه تدمر الشخص وتضعفه ولا تجعله ينجز شيئاً وتبرمج عقله الباطن على السلب وعدم الإيجاب، بينما الأفكار الإيجابية المتفائلة مثل التفكير بالصحة والسلام والجمال والحياة والنجاح وتسليط الفكر على المشاهد المفرحة والمبشرة هذه تبني الشخص وتبرمجه على القوة والتدفق والعطاء لأن الإنسان عبارة عن مجموعة من العادات التي تربى ونشأ عليها وبإمكان الإنسان أن يراجع ويقلب في نفسه وينظر ماهية الأخلاق والعادات التي تكون شخصيته فإن كان هناك بعض العادات السيئة فليتخلص منها ويستبدلها فوراً بعادات حسنة.
وعملية التغيير ليست سهلة فطرد الأفكار والعادات السلبية واستبدالها بالإيجاب يحتاج إلى جهد مضاعف وصبر وعزيمة لأنها ترسخت عبر سنين فتغييرها يحتاج إلى وقت وأيضاً يحتاج إلى بيئة ومناخ متفائل يساعد ويشجع على التغيير فالشخص المبتلى بعادة الكذب مثلاً إذا عزم على التغيير لابد أن يقطع ويهجر مجالس الكذب وأصدقاء الدجل ويودعهم إلى مجالس الصدق ومرافقة الصادقين والتزود من قصص وأخبار الصادقين حتى يخلخل في جذور هذه العادة السيئة المترسخة عبر الزمن ويقتلعها إلى غير رجعة ويغرس مكانها عادة الصدق وشجرة الخير ليبقى أصلها ثابتا وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
وكذلك من ابتلي بمعصية وبذاءة الغيبة لا يكفي فقط أن يعزم على تركها ويغشى مجالسها ويأنس بأهلها بل لابد من هجر هذه المجالس وتهيئة بيئة مناسبة.. بذرة الغيبة لا تنبت وتسمق وتورق فيها بل تموت وتجتث من فوق الأرض مالها من قرار لابد أن تبحث عن مجالس إيجابية يشيع فيها الحب والسلام وينبذ فيها الحقد والحسد ويطرد ولا يسمح له بالتسرب إلى النفوس.. مجالس تستحضر وتركز على أجمل وأحسن ما في الأشخاص على نجاحاتهم وإيجابياتهم لا سلبياتهم وعثراتهم ومعايبهم بهذه الطريقة نكون قد بدأنا فعلاً في التغيير وعن قريب- إن شاء الله سنصل- لأن من زرع حصد ومن جد وجد ومن سار على الدرب وصل ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة.
وعندما تقلب الفكرة السلبية (الوسوسة الشيطانية) إلى إيجابية وتجعلها تعمل لصالحك يبدأ عقلك الباطن يستقبل هذه الأفكار الإيجابية مباشرة ولأن العقل الباطن (اللاواعي) مثل الأرض والحرث المعد للزراعة وعقلك الواعي مثل الفلاح الذي يزرع الأرض ويدس البذار في الحرث فالأرض تنتج وتعطي وتجود للفلاح على قدر ما يزرع فيها وعلى قدر جهده وعنايته بها.. فأنت بعقلك الواعي تستطيع أن تزرع في عقلك الباطن ما تريد من أفكار طيبة سعيدة حميدة وتحصد نتائجها مستقبلاً لأن العقل اللاواعي لا يفكر فعمله آلي والفكرة سواء إيجابية أو سلبية تترسخ فيه مع التكرار فكلما اجتهدت في التطبيق العملي والتكرار حصدت نتائجه وأقرب مثال هو قيادة السيارة فنتعلمها بداية في العقل الواعي لأننا نكون منتبهين وعلى أعصابنا وننظر إلى كل حركة وتغيير فيها ونتحسس جميع مفاتحها وآلاتها القيادية لكن بعدما نتمكن من القيادة ونهضم الشغلة تصبح القيادة سلسة ومرنة فنمارسها ونحن نتحدث مع صديق أو نحن نستمع للمذياع فجميع جوارحنا تتحرك بشكل آلي.. ولو مثلاً أوحيت لنفسك أي لعقلك الباطن بأنك عندما تشرب الشاي بعد العشاء لا تنام بسرعة وتتأخر في النوم فإن عقلك الباطن يستجيب لذلك وتتأخر في النوم كل ليلة.. طبعاً أنا هنا لا أغلو في العقل الباطن مثلما يفعل الغربيون والماديون ومنهم على شاكلتهم وأسوق كلاماً بأن العقل الباطن يحقق لك كل ما تريد ويفتح لك الآفاق ويجلب لك الثراء وتعاملي معه هنا بحذر فلا نرفضه ولا نقبله قبولاً مطلقاً ونغلو فيه، وعندما أدعوك هنا للاستفادة منه فبحدود المشروع وما يستقيم مع ديننا وعقيدتنا وما يبعدنا كل البعد أن نشرك بالله ونحن لا نعلم فعندما يقولون مثلا (أنا ناجح..أنا صحيح سليم.. عقلي الباطن قادر على أن يحقق لي كل ما أريد) فبإمكانك أن تقول مثلا (أنا بتوكلي على الله وتوفيقه ناجح.. أنا بتيسيره وتقديره أحقق ما أريد) واحذر كل الحذر أن تنسب القدرة إلى العقل الباطن فتزل.. ونحن لا نرفضه ونكذبه لأنه حقيقة فتح كبير على الذات وفتح آفاق النفسي وإطلاق قدراتها وإبداعها وإنجازها وبما أن العقل (الواعي واللاواعي) ليس هو لب مقالتنا فإنني أعود إلى بدايتي ولعلي أنهي بها مقالتي.
فأقول: كن فلاحاً ماهراً ودس في أرضك بذاراً طيبة صالحة تنتج ثماراً يانعة خيرة تجلب لك الخير والفلاح وتدخل على نفسك السعادة والحب والسلام ونظف أرضك وطهر نفسك من كل أشجار شائكة مؤذية ومن كل أفكار بذيئة سيئة.
ماجستير في علم اللغة التطبيقي
alhmada1427@hotmail.com