** لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله - حفظه الله - صفات كثيرة موفقة لعل من أبرزها (شيمة التواضع)..
بل لعلها مفتاح شخصيته، ولعل هذه الشيمة إحدى الشيم التي قربت الملك عبدالله إلى مواطنيه، وحببتم فيه.
***
** وسوف أذكر ثلاثة مواقف عايشتها شخصياً تجسد هذه (الشيمة الإسلامية المضيئة) في حياة وتعامل الملك عبدالله رعاه الله.
الأول
* أولى هذه المواقف: ذات مرة بعثت له - حفظه الله - خطاباً أقدر فيه مبادرته في جعل إحدى جلساته الأسبوعية التي يستقبل فيها المواطنين تبدأ بآيات من كتاب الله وتفسيرها سيراً على نهج والده المؤسس الملك عبدالعزيز.. رحمه الله.. ولم تمضِ عدة أيام إلا جاءني خطاب موقع منه - حفظه الله - تفيض عباراته بالشكر لله أن وفقه لهذه السنة المباركة، وفي نهاية الخطاب وجدته يكتب بخط يده قبل اسمه الكريم (أخوكم) في تعامل تواضعي مشرق يؤكد فيه أخوته ومحبته وقربه (الأخوي) من إخوانه المواطنين.
***
الثاني
* ثاني هذه المواقف: كنت برفقته مع مجموعة من الأدباء والمثقفين عندما كان - حفظه الله - ولياً للعهد، وقد رعى إحدى مناورات الحرس الوطني بالقصيم، وكنا ثلة من أهل القلم واقفين بانتظار مروره ومرافقته إلى موقع المناورة، وكان بيننا الأديب الفريق الراحل يحيى المعلمي، رحمه الله، فالتفت إليه الملك عبدالله - حفظه الله - وقال في مداعبة جميلة: (وأنتم بالكُتَّاب وش عندكم أيام الحروب؟) فما كان من الفريق المعلمي إلا أن أجاب الملك ببيت شعر عبَّر فيه عنا واستحسنه خادم الحرمين:
(وللحروب رجال يعرفون بها
وللدواوين كُتّاب وحُسّاب)
فابتسم الملك عبدالله وأعجبه هذا الجواب.
***
الثالث
* الموقف الثالث والأخير: أذكر أنني كنت ذات عام في رحلة ثقافية إلى جمهورية مصر العربية بعد انتهاء الموسم الثقافي للمهرجان الوطني للتراث والثقافة، والتقيت بالقاهرة بعدد من أدباء مصر وكتابها وإذا بعدد منهم يثمِّنون مناشط المهرجان، وندواته الثقافية، ويقدِّرون للملك عبدالله طرح تلك الموضوعات الفكرية والثقافية البالغة الأهمية التي تتناول فكر الأمة ومستقبلها، ولم يكتفِ بعض الكُتَّاب بذلك بل نشروا مقالات بصحفهم تقدر هذه الخطوة وتثني عليها، وتشير إلى إثرائها للمشهد الثقافي العربي والإسلامي وإلى تأثيرها في تشكيل المنجز الثقافي العربي لمواجهة التحديات التي تواجه الأمة العربية والإسلامية والتي تستهدف فكرها وشخصيتها ولغتها، وأذكر أنني عندما عدت إلى الرياض هاتفت أخي معالي د.عبدالرحمن السبيت رئيس اللجنة التنفيذية للمهرجان الوطني للتراث والثقافة، وقلت له: إنني سوف أبعث إليك خطاباً للملك عبدالله بشأن هذا الموضوع المفرح للتكرم بعرضه على مقامه، ولكن د.عبدالرحمن أشار برأي سديد وهو: أن أسلم أنا على الملك وأتحدث معه عما رأيت وأسلمه الخطاب..
وفعلاً تم ذلك وقمت - فعلاً - بالتشرف بزيارة خادم الحرمين ومقابلته، ثم حدثته عما رأيت من تقدير من مثقفي مصر الذين التقيت بهم وتثمينهم لدور المملكة الثقافي وإسهامها في تعزيز الثقافة العربية وبناء شخصية أجيالها، وكان الملك عبدالله - رغم مشاغله - يصغي إليَّ باهتمام وحبور بل ويطرح عليَّ أسئلة عن تفاصيل ما رأيت وما سمعت، ويختم حديثه معي بالدعاء لي، مؤكداً أن هدف المملكة نشر الثقافة الصحيحة، وأن هذا أحد واجبات المثقف السعودي الذي يعيش في أرض القرآن الكريم ومهد (الرسالة) النبوية.
***
وبعد!
إن خادم الحرمين بهذا التواضع وبمثل هذه المواقف التي قرأنا الكثير منها بالصحف ورأيناها على شاشات التلفزيون وبالتأكيد بعض أبناء شعبه عايشها معه شخصياً حفظه الله.. إنه بهذا السلوك (التواضع) ينطلق من نهج كتاب ربه الكريم بوصف المؤمنين سواء كانوا قادة أو مقودين هم {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} وقوله } وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}، وهو حفظه الله بقدر ما يستجيب لتعاليم ربه سبحانه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم القائل: (ما تواضع عبد لله إلا رفعه) فإنه يكسب محبة الناس وتقديرهم وثناءهم في الحياة الدنيا.
(*) عضو مجلس الشورى