سألني أحد الأصدقاء عن رأيي في المقاطعة الشعبية سواء كانت لمنتجات الدانمارك أو أمريكا أو لمنتجات بعض الشركات السعودية التي رفعت أسعار منتجاتها من اللبن والحليب مؤخراً، وما إذا كنت سأشارك فيها أو لا.. وقبل أن يسمع رأيي طفق يحدثني عن الوطنية ووجوب المشاركة للضغط على تلك الشركات و... و... و ... و ... وبعد أن انتهى من سرد أسبابه بوجوب المقاطعة.. قلت له: أولاً أنا مع انتهاج السبل السلمية للتعبير عن الرأي.. وما مقاطعة البضائع الدانماركية ونجاحه جزئياً إلا إحدى تلك السبل التي أرغمت الشركات الدانماركية على إعادة النظر في مواقفها تجاه المسلمين وأرغمت صانع القرار السياسي هناك على الأخذ بحسابات أخرى لم يكن ليأخذ بها سابقاً عند التعامل مع المسلمين.. ونحن نرى كيف يتعامل اليهود في أمريكا وكذلك أوروبا مع كل من يجرؤ على قول الحقيقة فأحد أسلحتهم القوية هو المقاطعة المدعومة بأدوات أخرى حسب الوضع والإمكانيات.. فسحب الإعلانات من تلك المحطة التلفزيونية أو عدم دعم ذلك المرشح وتشويه صورة الشركة التي يعمل بها الشخص أول ما يتم عمله وغالباً ما تنجح تلك الوسائل.. كذلك المقاطعة الاقتصادية بغض النظر عن مبعثها ودافعها (كالحد من الارتفاعات الجنونية للأسعار كما قاطع الشعب الأمريكي شرب القهوة حتى هدأت أسعارها) فلها فوائد أذكر منها تعود المستهلك على البديل، ولذلك فإن معالي وزير التجارة السابق لم يأت ببهتان عندما سُئل عن ارتفاع الأرز قال: على الشعب السعودي البحث عن بديل.. نعم إن البحث عن البديل والتعود عليه من الفوائد الجمة للمقاطعة.. ومن المعروف أن الشركات المنتجة لبضائع معينة قد تتنازل عن أرباحها لفترة معينة وذلك فقط حتى تعوِّد المستهلك على استخدام منتجها.. فتطور الثقافة الاستهلاكية لدى الفرد نتيجة للبحث عن البدائل واستكشاف الأرخص وتنويع الذائقة الاستهلاكية والتحرر من عبودية الاسم التجاري لسلعة معينة فهي تتأتى غالباً من البحث عن منتج له نفس المميزات.. فمن القصص الطريفة أن شخصاً رفض أبناؤه شرب حليب معين بحجة أنه ليس الذي تعودوا عليه وأن طعمه مختلف.. لكنه اشترى نفس الحليب وعبأه في عبوة من النوع المتعود عليه.. ولم يلحظوا الفارق.. بل واثنوا على طعمه.
واختتمت ردي على صديقي ببيان أن الفائدة الأخيرة للمقاطعة هي التعود على العمل الشعبي المنظم بدلاً من الاتكالية والعمل الفردي العشوائي.. فالمقاطعة تستوجب المشاركة الجماعية وعلى نطاق واسع وإلا فلن تنجح.. فهي تُعتبر مدرسة للعمل الجماعي الشعبي.. وهذا بحد ذاته فائدة كبيرة حتى ولو لم تؤت المقاطعة نتائجها.
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ
alakil@hotmail.com