في مقالة سابقة بجريدة الجزيرة يوم السبت 9 صفر 1429 العدد 12924 تم التطرق لبعض المعوقات التي تواجه قطاع المقاولات، حيث حددت بمعوقات داخلية وخارجية. وفي هذه المقالة سيتم تسليط الضوء على التحديات التي تواجه هذا القطاع.
لقد مرت المملكة بمرحلة ما يسمى (الطفرة) خلال العقود الثلاثة الماضية في بناء المباني والمنشآت التنموية وساهمت الشركات الأجنبية في تشييدها، أغلبها من الشركات الكورية.
كانت الشركات تمتلك الإمكانيات التقنية والخبرات في مجال التشييد والبناء، إضافة إلى توفر اليد العاملة التي لم يكن عليها قيود. وتزاول عملها بمعزل عن المجتمع والمقاولين المحليين داخل أسوار المشاريع، حيث قام بالإشراف على تلك الشركات مكاتب استشارية تتمتع بقدر كبير في إدارة المشاريع ومعروفة عالمياً بأمريكا وأوروبا.
هذه الفرص لم يستفد منها الكثير من المقاولين المحليين، مما أضاع عليهم توطين المعرفة والتقنية وطرق الأعمار والتشييد والإدارة إلى المملكة. ومع انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية والسماح للشركات الأجنبية العمل في مجال المقاولات، أصبح واضحاً أن هذا القطاع سيواجه العديد من التحديات، منها دخول الشركات الأجنبية كالصينية والماليزية والسنغافورية ومن الدول العربية والشركات الأوروبية للدعم اللوجستية للخدمات المساعدة على سبيل المثال النقل الجوي والبحري والأعمال الفنية.
علاوة على ذلك يواجه القطاع زيادة أسعار مواد البناء من الحديد والأسمنت وغيرها، أدى إلى ارتفاع تكلفة المشاريع وسبب خللاً في شروط العقود المبرمة مع الجهات الحكومية والمؤسسات والشركات الخاصة أدت إلى نتائج سلبية على المقاولين والعاملين لديهم.
إن خطط التنمية أكدت على أهمية التصنيع كبديل أمثل في تحقيق أهداف التنمية الرامية إلى تنويع القاعدة الإنتاجية وتخفيف الاعتماد على إنتاج النفط الخام وتصديره.
وتعتبر التنمية الصناعية جزءاً من التنمية الاقتصادية وهي ليست بمعزل عن التنمية العامة، حيث ركزت المملكة على الصناعة كمحور أساسي في التنمية واستهدفت من خلاله تكوين قطاع صناعي قوي قادر على المنافسة المحلية والأقليمية والدولية. هذه الصناعات ترتكز على تسويقها من خلال وسائل كثيرة أهمها قطاع المقالات.
هذا القطاع - كما يدعى أم الصناعات للبناء والتصنيع - ركيزة أساسية للاقتصاد وثاني أكبر مساهم في الناتج الوطني ويمثل محور أساسي للصناعات الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، فبدون هذا القطاع لا تستطيع الصناعات الاستمرار في الإنتاج والتوسع في طاقتها، فالنهوض بهذا القطاع مهم وضروري للمحافظة على نمو الاقتصاد الوطني حيث يمثل أكبر موظف للأيدي العاملة.
من هنا لا بد من تدارك الأمور ووضع إستراتيجيات تتبناها وزارة التجارة والصناعة لمراقبة غلاء المواد وكبح ارتفاع الأسعار أو ربما الحد من التصدير لفترة محدده وتسهيل شروط الاستقدام وإيجاد حل لتوفير اليد العاملة وسرعة الحصول على تأشيرات الاستقدام من قبل وزارة العمل.
كما على القطاع النظر إلى دخول الشركات الأجنبية فرصة للاستفادة من خبراتهم في أعمال التشييد والبناء والإدارة عن طريق التضامن معهم في بعض المشاريع لمعرفتهم بالأمور الداخلية وآلية شروط وضوابط العقد والتعامل مع الكثير من الجهات الحكومية والخاصة.
وتعتبر فكرة الإندماج رائدة في هذه الآونة بشرط أن لا تكون رد فعل على دخول الشركات الأجنبية. بينما الأندماج يفترض أن يستند على دراسات جدوى اقتصادية وخطط مدروسة للتوسع في القطاع داخلياً في الوقت الحاضر والمشاركة على المستوى الإقليمي والعالمي في المستقبل.
فعلى القطاع أيضاً مسؤولية تدريب وتوظيف الكوادر الوطنية الشابة بإيجاد آلية للمحافظة على المهندسين والموظفين وغيرهم من خلال تهيئة الجو المناسب ومنح حوافز مالية في مشاركتهم بجزء من الأرباح إذا استمرو في العمل مع الشركة لعدة سنوات.
كما على القطاع توسعة مشاركته وفتح المجال لأساتذة الجامعات لاقتراح بعض الحلول بطرق علمية وتقنية حديثة وإشراكهم في أعمال اللجان التي تشكل. إن مشاركة الجهات الحكومية في لجان قطاع المقاولات مهم، كوزارة المالية وديوان المراقبة العامة لارتباطهم بالأمور المالية والإدارية أو مراقبة المشاريع.
إضافة إلى الاستعانة بممثلين من المؤسسات الحكومية كشركة أرامكو السعودية والهيئة الملكية للجبيل وينبع وغيرهم، نظراً لخبراتهم وقيامهم بالعديد من المشاريع الكبرى. إن أهمية مشاركة الجهات الحكومية والخاصة في القرارات التي تصدر من قطاع المقاولات مهم في هذه المرحلة من البناء والتشييد لمعرفة المعوقات والصعوبات التي تواجههم، لرفعها لأصحاب القرار للبحث عن الحلول المناسبة، حيث إن العمل واتخاذ القرار في أفق ضيق لن يساهم في حلها، فعلى القطاع فتح باب المشاركة لذوي الإختصاص والخبرات لمساعدتهم.
المشرف العام على إدارة المدينة الجامعية بالدمام -
جامعة الملك فيصل
mnjadid@yahoo.com