كتبت -هدى عارف
كنا ننتظر هذا العمل منذ الإعلان عنه في المرة الأولى في شهر أغسطس 2006 حين كان مشروعاً لتلفزيون الشرق الأوسط mbc، وكان يزداد إثارةً مع ما نتابعه من ردود أفعال ذوي الشاعر وتأكيدهم لرغبتهم التواصل مع القائمين على العمل؛ حتى يظهر بالصورة اللائقة. كما شعرنا بالتفاؤل بتميز العمل مع نشر خبر انتقاله إلى روتانا خليجية التي أعلنت عن نهجها الجديد وتملكها لحقوق العرض الأول للمسلسل حصرياً، وأَتبَعَتْ ذلك بعقد مؤتمر صحفي قبل العرض بأسبوع واحد، وجاء بعد هذا المؤتمر آخر ردود أفعال ذوي الشاعر بتحذيرهم من عرض المسلسل الذي يبدو أنهم اضطروا إليه بسبب عدم حدوث التواصل المنشود بينهم وبين القائمين على المسلسل.
وبدأ العرض، ولكن كانت المفاجأة..
فقد بدا جلياً منذ الحلقة الأولى تدني مستوى القصة والسيناريو، وتدني أداء الممثلين والممثلات، وفَقَد المخرج زمام الأمور في كثير من المشاهد.
وبالنسبة للممثل عبدالله الحسن - الذي أحترمه كثيراً - لم يقدم نفسه كاختيار يقبله المشاهد للقيام بدور الشاعر الفارس محسن الهزاني، الشخصية التي طالما حدثتنا عنها الكتب والرواة بأنها الشخصية الآسرة والمنطلقة والجسورة؛ فعبدالله الحسن - بكل أسف - بدا في أدائه بعيداً كل البُعد عن سمات هذه الشخصية، وكان يؤدي المشاهد بكمّ هائل من البرود، وببطء واضح في التفاعل.
والفتيات هيا وقوت وشمس وسلمى وغيرهن كان ظهورهن كشخوص ضمن الأحداث ظهوراً مفككاً وبمشاهد غير مرتبة، وأستغرب أن يكون مثل هذا في عمل من إخراج القدير خلف العنزي، مع التنويه إلى أن الأحداث والمواقف التي كانت بين كل منهن وبين الشاعر حقوقها محفوظة للمؤلف على الإطلاق؛ حيث لم يتناقل الرواة الثقات ولم يتطرق مَن ألّف عن محسن الهزاني إلى مثل هذه القصص على النحو الذي قدمه المسلسل.
وشخصية شعيب وكذلك شخصية زهية، وكلاهما أيضاً من بنات أفكار المؤلف، كانت المشاهد المتعلقة بأي منهما أو بهما مجتمعَين مشاهد حشو مملة جداً، وكنت أتمنى لو أدى المخرج دوره بتوجيه الممثل والممثلة للوصول إلى أداء أفضل أو استبدالهما بممثلين آخرين أكثر تمكناً.
لقد ذكرتني حلقات المسلسل بأداء مسرح المدارس الحكومية قبل عشر سنوات -الذي أظنه الآن قد أصبح أكثر تطوراً - وهذه الحقيقة ثقيلة على نفسي بالدرجة الأولى كمتابعة ومهتمة بالأدب قبل أن تكون كذلك على فريق العمل. لقد كان العمل دون المستوى المأمول رغم أنه قد تهيأت له الأسباب التي تجعل منه نقلة نوعية في العمل التلفزيوني السعودي؛ فموضوعه شخصية معروفة تتضمن ثراءً واسعاً في الأحداث وأرضاً خصبةً لكل كاتب سيناريو متمكن، كما تقف خلفه شركات إعلامية رائدة (تلفزيون الشرق الأوسط) و(صدف)، ولكن كان ما كان، وأظن أننا بحاجة إلى وقفة منصفة مع صناعة الدراما والعمل التلفزيوني في بلادنا؛ فالشركات التي تعمل في هذا المجال تتحمل مسؤولية عظمى في تقديم الرصيد الزاخر الذي يملكه الوطن من شخصيات تاريخية وموروث ثقافي بالشكل اللائق الذي يؤهل أعمالها عنهم أن تكون مرجعاً يبقى للأجيال.
ولا يغيب عن أحد منا كيف تصنع شركات هوليود الأسطورة والإبهار من لا شيء، بينما نحن.. نملك الأسطورة، ولكننا وبكل أسف نقدمها بشكل متواضع ونحولها إلى لا شيء.
لقد عاش محسن الهزاني في القرن الثاني عشر الهجري، وبقي مائتي عام حتى يومنا هذا حاضراً متوهجاً في العقول والقلوب والكتب أميراً للحب والحرب، شاعراً ذائع الصيت، دون أن يكون في عصره أي نوع من وسائل الإعلام، وتحقق له من الشهرة واستمرار الذكر ما تعجز عن صناعته كبرى شركات الإعلام.
حظاً أوفر لنا كمشاهدين.. ثم حظاً أوفر ل(روتانا) و(إم بي سي) و(صدف) في المشاريع القادمة.
* huda3aref@hotmail.com