تعلمت من رحلاتي على متن الطائرة أو القاطرة أنني ربما أجلس بجانب إنسان كثير الحديث، وأن الحديث قد يكون ممتعاً أو منفرا حين الخوض في أمور وتجارب تخص المتحدث ولا تعنيني ولا تفيدني، حتى وإن كانت مفيدة فلربما أن تقبلي للحديث حينها لن يكون في وضع الاستعداد الجيد وحينذاك أكون قد وقعت في ورطة يلزم للخلاص منها أمر من ثلاثة أمور حسب تصنيف أهل الاختصاص فإما الاستماع على مضض وإما الدخول في مناورة ثرثارية زائفة أو عدوانية بصد المتحدث ووقفه عن التمادي، وكل واحد من هذه الثلاثة مرهق للنفس والحس، ومفسد لمتعة الرحلة، غير أن الحسم أحيانا يكون مطلوبا اضطراريا دون تردد وإلا لانفرط منك زمام الأمر قبل أن يعلن قبطان الطائرة فك الحزام.ولم أندم مثلما ندمت على رحلتين فقدت فيهما متعة السفر إحداهما من مدينة هامبورج الألمانية إلى فرانكفورت حلت بجانبي سيدة مسنة شرهة في التدخين فكنت مضطرا لتحمل السلبيتين، ولو أعفتني من إحداهما ولتكن الأولى مثلا لكنت على قدر من تحمل ثرثرتها التي لم تتوقف إلا مع توقف المحرك، والرحلة الثانية كان في المقعد الذي أمامي طفل كلما نظر إلي قبل الإقلاع لاطفته بابتسامة ولاعبته مرة، فلم يكن أمامي إلا مضاحكته وملاعبته طوال الرحلة من جدة إلى الرياض والحمد لله أنها لم تكن أبعد من ذلك.