الإنسان لغزُ الحياة، وبالذات كونه النفسي العميق والمعقد في كل سراديبه، هذا الكون الذي تتفجر من عليه براكين في الحس والانفعال، وزلازل لا يرصدها مقياس، أو يتنبأ بها الإنسان نفسه، وفي بعض من مظاهر سلوك الفرد وتصرفاته والنزعات التي تأخذ بناصيته معالم قد نعرف من خلالها بعضاً من هذا الكون النفسي. |
ولقد جاء في القرآن الكريم أن الإنسان في نفسه مكون من نفس مطمئنة، ونفس أمارة بالسوء، والنفس اللوامة. وما جاء في القرآن الكريم يؤكد ما قال به العلم الحديث. |
كما أن نوازع الإنسان خير بأقل شر، أو شر كلها لا خير معه، فالخير مكبوت يطفو على سطحه العديد من نزعات الشر، من القتل حتى الكذب، ومن يجد نفسه في دائرة الشر فهو في حالة من عناق الذات بدافع الأنانية المتمكنة منه.كما أن ذاكرة هذا الكون النفسي هي ذاكرة تكونت بالتراكم منذ أن خلق الإنسان حتى قيامته. |
وقد لا يعي أحدنا ذلك، ولكنها مخزونة في الأعماق تخرج معانيها ورموزها بين حين وآخر في ظروف تستدعيها، ومع ذلك فالإنسان عن هذا في غفلة لا يدري. |
وكما سبق فإن بعضاً من سلوك الفرد وتصرفاته باب نقرأ من خلاله الأعماق من نفسه بالقدر الممكن الذي تدل عليه مثل تلك الرموز. |
فنلاحظ أن الرجل الذي يده ممدودة للخير ينفق من ماله أو جاهه أو علمه أو من أي شيء قوي فيه واهباً لهذا بلا مَنّ ولا رياء. |
ومَنْ هذه حاله فإن النفس المطمئنة لديه في سرور وحبور وتصالح مع النفس اللوامة. وهذا لا يعني أن هذا الرجل قد استأصل الشر من نفسه، ولكن هذا النازع مكبوت ومحيد، وحين نراه صادقاً أميناً فإن جانب الخلق بدافع من نوازع خير ما في النفس استقام بما ينفعه، وينفع أفراد مجتمعه، وهذا يدل أيضاً على اطمئنان النفس وانتصار الخير على الشر في هذه النفس وكونها المتلاطم. |
وقد نرى ما هو عكس ذلك حين تفرض نزعات الشر وجودها، وتدفع بعض الناس إلى سلوك لا تحمده صفات الخير ولا مَنْ حوله من أبناء مجتمعه، فهو كذاب مثلاً لكننا لا نعرف شيئاً عن أبعاد هذا السلوك. وقد يقول أحدنا إن الكذب نتيجة لنقص في الالتزام الديني ورداءة في خلقه، هذا صحيح، ولكن ما زال وراء هذا السلوك أسرار لا تقف أمام إجابة مثل ما سبق. |
ولو تذكرنا بعضاً من سلوكيات يمارسها عدد من الناس وتحسب على ما هو غامض فيه (القوى الخفية). |
وهذا يثير عجبنا وعجب هذا الإنسان نفسه، وما لا نفسره وفق المفهوم الصحيح نصبغ عليه من التعاريف والتفاصيل ما قد يصل إلى شيء من الأساطير أو الشعوذة. |
إن ما جاء في القرآن الكريم لدليل على الكثير من المهم في بناء النفس، حيث قال عز وجل: { وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} |
فهل لدينا من البصر والبصيرة ما يعيننا على لحظة من تأمل يزيد من إيماننا بالله، ونكتشف من خلاله بعضاً من معارف النفس؟ |
إنّ ذلك لأمر ممكن، فعسى أن نبدأ في ممارسته! |
إنّ الموضوع الذي نحن بصدده محط تفكير وتأمل للكثير من الناس، فمثلاً في الغرب هناك مَن يدعو إلى إقامة مراكز خاصة بأبحاث ودراسة القوى الخفية في الإنسان، وربما أن بعض المراكز قد تم إعدادها. |
وقبل سنوات عدة ألّف الكاتب والمفكر (كولن ويلسن) كتاباً بعنوان (القوى الخفية في الإنسان)، ولقد رصد من خلال كتابه كثيراً من التشابه في أنماط من الممارسة التي لم تحظَ بتفسير مقبول حتى الآن، وهذا التشابه الموجود في أنحاء المعمورة منذ القدم. |
ولقد جاء في الكتاب عدد من الظواهر التي سجلها الكاتب وفق ما استطاع تسجيله منذ القدم حتى زمان تأليفه للكتاب، إلا أنه لم يصل إلى تفسير جامع لكثير من هذه الظواهر، حيث كان تركيزه أكثر على الدعوة، والاهتمام بأمر القوى الخفية بحثاً ودراسة، وكان شديد الاهتمام بتأكيد أهمية إنشاء مراكز متخصصة في هذا الموضوع. |
ومن جانب آخر فإن الفصل بين العقل والنفس أمر يصعب الاتفاق عليه، فقد يرى من هو موضوعي بعضاً من المنطق حين يقول إذا نحن أدركنا بعضاً من وظائف المخ فقد يأتي يوم قريب يأذن به الله حيث بتقدم العلم في هذا المجال ما تزيد به معارفنا عن النفس وأسرارها، وهذا رأي حظه من الصواب لكبير. |
فكثير من معارفنا العلمية نظن بالاستقرار معها ونكتشف فيما بعد أن لها بعضاً يكملها أو يرفضها أو يعيد بناءها، وما صح من نظريات عدة لا بد أن تتطور لتمنحنا من المعارف ما هو أكثر حول الإنسان وأسرار تكوينه النفسي وكذلك جميع الوظائف التي سخر الله لها أعضاء ومهمات، والإنسان منا يتأمل الكون من حوله ورأسه تدور من موقع إلى آخر، وهذا بكل معانيه الطريق نحو الله والإيمان به، وحول حالة من التكامل الإيماني؛ فإن التبصر في الكون النفسي بالتحليل والدرس والاستنتاج يقرب المسافة بين التمني وواهب الحياة. |
(من لم تستقم له نفسه فلا يلومن من لا يستقيم له) |
|
|
لا يدرك الحاجات إلا نافذ |
إن عجزت قلاصه لم يعجز |
|
|
ومن جهلت نفسه قدره |
يرى غيره منه ما لا يرى |
|
|