كنت أقرأ في مقال متخصص عن (الخلايا الجذعية)، وهي التقنية الطبية المستقبلية التي يُعَوِّلُ عليها الأطباءُ كثيراً من الآمال، إلى درجة أنَّ أحدَ الكُتَّابِ المتخصصين في الكتابة عن البحوث الطبية اعتبر هذه التقنية العلاجية مرحلة مفصلية في تاريخ الطب البشري، حيث سينقسم تاريخ الطب - كما قال - إلى مرحلتين: مرحلة ما قبل الخلايا الجذعية، ومرحلة ما بعد الخلايا الجذعية. وتنشط المعامل والمختبرات ومراكز البحوث في الدول المتقدمة لنيل السبق التاريخي في هذا المجال الواعد لإيجاد حلول علاجية للكثير من الأمراض المستعصية. وكل المؤشرات - كما يقولون - واعدة، وتُبَشِّرُ بالخير.
في المقابل، وعندما نلتفت إلى أوضاعنا وقضايانا واهتماماتنا الفكرية والحضارية، وشغل متخصصينا، وأكاديميينا، لا نجد أن لهم علاقة بما يدور حولهم. الإنسان، صحته، سعادته، أمنه، خدمته، ورفاهيته، أمور لا نهتم بها مثل اهتمامنا بأمور جدلية فلسفية تجاوزها العالم منذ عشرات السنين، أما نحن فما زلنا نقف حيالها بين حدي الرفض والقبول، وكأن العالم سيقف ينتظر رأينا، رغم أننا في معادلاته الحضارية لا نشكل إلا مجرد بئر نفط يمده باحتياجاته ليس إلا.
ولك أن تقارن بين هذه المساعي الإنسانية العظيمة التي يبذلها هؤلاء الرواد في الغرب وفي الشرق، التي لا تعرف الكسل، ولا يعتريها الفتور، ولا يخالط آلياتها الإحباط، بممارسات أحد أطبائنا - مثلاً - الذي يقولون إنه يعمل (أكاديمياً) في إحدى كليات الطب في المملكة، ترك الطب، وتعليمه، وأبحاثه، وتفرغ (للكيد) لزملائه، وجمع التواقيع ضدهم، ونسج المؤامرات للإضرار بهم، وملاحقتهم، والنيل منهم، ومن سمعتهم، وتجنيد السذج والبسطاء لدعمه ودعم آرائه، واختياراته الفقهية، لمجرد أنه اختار موقفاً اجتهادياً (متطرفاً)، فاعتبر أن ما (اختاره) هو الدين الصحيح، وبالتالي فإنَّ مَنْ يخالفه ويتبع اجتهاداً آخر فهو الضال المضل، الذي لا يهمه الدين، ولا يكترث بالوطن، ولا يأبه بمسؤولياته الإنسانية كطبيب، فالأيديولوجيا جعلته يحاول جاهداً أن يفرض وِصايته ليس على مرضاه وإنما على أقرانه أيضاً، وفي سبيل ذلك ترك الطب وتفرغ لفرض الأيديولوجيا!
وهذا ما يجعلني أقول وأكرر أن أي تخصص علمي - مهما كان - إذا اختلط بالأيديولوجيا المتطرفة، فقلْ على التخصص والمُتخصص السلام.
الدكتور أيمن الظواهري - مثلاً - ترك رسالته الإنسانية (النبيلة) كطبيب يهدي البسمة إلى شفاه مرضاه، ويساعدهم في التخلص من الآلام والمعاناة، وانقلب إلى رجل مهمته حصد الأرواح، وتخريب البيوت، وقتل الإنسان أينما وُجد.
الأيديولوجيا هي التي سلبت من الطبيب الظواهري قيمته كإنسان، وحوَّلته - دون أن يشعر - إلى (شيطان) رجيم، وكثيرونَ مَنْ هُمْ على شاكلة هذا الطبيب المنحرف وإن بدرجة أقل، أما العامل المشترك بين كل هذه النوعيات فابحثْ عنه في (الأيديولوجيا).
كنا في الماضي - كما قال أحد الكُتَّاب - مجرد مشجعين في المدرجات بين فريقين متباريين، نمارس التشجيع ولا علاقة لنا باللعب، أما الآن فاخرجونا من الملاعب لسوء السلوك نهائياً، وانصرفنا إلى ثقافة (هجاء) الجميع، التي كان لشاعرنا الفحل (الحطيئة) فيها القدح المُعلى ولا فخر!.