العلاقة بالآخر دائماً تحكمها المصلحة.. فتكون جفاءً أو وئاماً.. أو تكون تكاملاً أو تناقضاً.. أو تكون تعاوناً أو تنافساً.. أما نوع المصلحة فقد تكون صالحة وقد تكون فاسدة.. وقد تكون إنجازاً وقد تكون إبراء ذمة.. وقد تكون مؤقتة وقد تكون دائمة.
والعلاقة بالآخر إما أن تكون إيجابية بناءة وإما سلبية هدامة.. سواء كانت علاقتنا ببشر أو حيوان أو جماد أو منشأة أو فكرة أو غير ذلك.. ولو أخذنا علاقة القطاع الحكومي بالقطاع الخاص كمثال لوجدنا أننا أمام حالة تجعل من الاهتمام بهذه العلاقة واجباً وطنياً.. فهما جناحا التنمية وذراعاها وقدماها وروحها.. والمؤسف أن العلاقة بين هذين الجناحين علاقة يشوبها الشك والريبة في أحسن الأحوال.. فالقطاع الحكومي يرى في القطاع الخاص أنه متهم لم تثبت براءته.. بينما يرى القطاع الخاص في القطاع الحكومي أنه بيروقراطي مترهل وأنه من معوقات التنمية.
من هذا المنطلق يغلب على تعامل القطاع الحكومي مع القطاع الخاص الترصد والرقابة لتصيد الأخطاء وتوقيع العقوبة وتحميل المسؤولية.. وليس المتابعة بقصد الإنجاز والدفع تجاه تقويم الأداء والرفع من مستواه والمشاركة في تحمل المسؤولية.. هذا الاتجاه في التعامل ينعكس سلباً على التنمية وتبعاته مضرة بالمجتمع.. لكن لماذا العلاقة بين هذين القطاعين سيئة.. وهل يمكن إصلاح ذات البين؟.
الأكيد أن علاقة الجفاء هذه ليست نتيجة سوء في القطاع الخاص.. كما أنها ليست نتيجة تآمر من القطاع الحكومي.. بل هي في أبسط معانيها غريزة إنسانية تُغلّب مكافحة السلبي على تحفيز الإيجابي.. والخاسر الأكبر في ذلك هم أفراد المجتمع.. فهم الضحية المباشرة من ناحية الأنظمة والتشريعات الرقابية والحمائية المطبقة عليهم من القطاع الحكومي والتي تفترض أنهم لا يعرفون مصلحة أنفسهم وأحياناً أخرى أنهم دأبوا على مخالفة الأنظمة وكسر القوانين ولابد من مراقبتهم حتى لو أدى ذلك لإعاقة نموهم.. أما القطاع الخاص فهو يتعامل معهم على أساس افتراض سوء النية وليس حسن الظن فتجده يحتاط منهم برفع الفوائد ونسب التأمين إلى غير ذلك.
إن من مصلحة أفراد المجتمع أن تكون علاقة القطاع الخاص بالقطاع الحكومي علاقة وئام لا جفاء.. وتكامل لا تناقض.. وتعاون لا تنافس.. فهذه العلاقة نتيجتها الحتمية ارتفاع جودة الخدمة التي سوف ينعمون بها في حياتهم والحقيقة أن هذا النوع من العلاقة موجود بين بعض الإدارات الحكومية والقطاع الخاص.. ولو أخذنا مثالاً على ذلك فسنجد أن أمانة منطقة الرياض قد حققت نجاحاً كبيراً في تعاملها مع القطاع الخاص واستطاعت نتيجة لذلك أن تأخذ على عاتقها القيام بمهام ثقافية ومجتمعية تعتبر خارج نطاق عملها لكن لافتقاد هذه النشاطات المهمة وحاجة المجتمع لها قامت بها.. ومن ذلك تنظيم عروض المسرح وتنسيق الزهور ومهرجانات الترفيه والأمسيات الثقافية وحملات التوعية المجتمعية التي تفوقت فيها من خلال حملة (عين النظافة) داخل أحياء المدينة وحملة (بر بلا نفايات) لتنظيف البر.. فصارت بذلك محل التقدير والعرفان مع الشكر الجزيل.
وكأحد العاملين في حقل الإعلام والتوعية المجتمعية أستطيع أن أقول: إن الأمانة من خلال إدارة النظافة استطاعت أن تقود أقوى حملة توعوية حكومية فاقت بها حملات التوعية المرورية وتوطين الوظائف ومكافحة التدخين والمخدرات.
هذا النجاح الكبير الذي حققته الأمانة لم يكن ليتحقق لولا تلك العلاقة الناجحة مع القطاع الخاص.. وأتمنى لو أن بقية الجهات الحكومية اتخذت من تلك العلاقة نموذجاً يحتذى.