المتابع للواقع العربي يجد أنه يحفل برزمة من الإشكاليات والمعضلات؛ كون الدول العربية مصنفة في زاوية الكيانات النامية التي تأخرت بها التنمية الانسانية وتقهقرت فيها مشاريع الانطلاق الحضاري, وتتراوح هذه الإشكاليات بين السياسية والاقتصادية والاجتماعية, وحتى الثقافية الفكرية التي لا تقل أهمية عن سابقاتها في الإشكالية, وعندما نستعرض هذه الإشكاليات يتبادر إلى ذهننا قضية طرح الحلول ومداخل التعامل مع هذه القضايا التي وللأسف الشديد مازال العقل العربي يعاني من حالة قصور في التعامل معها وتفكيكها, فعند تناول إحدى هذه الظواهر أوالإشكاليات يسرف العقل العربي دائماً في تشريح وتفصيل المشكلة دون الجنوح إلى طرح الحلول والخيارات في التعامل معها.
والمتابع للحوارات والندوات والاجتماعات ذات الصلة في العالم العربي- ونعني بها التي لا تنطبق عليها في الغالب الصفة الرسمية- يجد أن محاور النقاش تتجه دائماً إلى تشريح وتفكيك الظاهرة إلى حد القتل وتفسير مكوناتها وعناصرها ومسبباتها دون أن يكون هناك أطروحات حل تختصر الطريق إلى بر الأمان في التعامل, وحتى لا نقع في شرك التعميم في الرصد نقول إن أغلب تعاملات العقل المثقف في العالم العربي وجهت إلى طبيعة المشكلة دون طبيعة الحل, وهذا ما جعل الكثير من الإشكاليات والمعضلات تربض على واقع العالم العربي لردح من الزمن بلا حلول بعد أن أسرف النقاش فيها وكثرت أدوات تفسيرها.
ففي العراق كثر الحديث عن تدخلات إيران، ولم تطرح بشكل جلي خيارات الحل, وفي مجتمعاتنا العربية تتناول معاول النقاش قضية الهجرة والبطالة وهروب العقول العلمية إلى الخارج وصولاً إلى موجة ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة مروراً بالديمقراطية وحق المعارضة المختلف عليه, وحتى على المستوى الثقافي والفكري في صميم القناعة والتفكير, ظلت هذه القضايا وغيرها رهينة التفسير الجامد الذي لم يقفز إلى طرح الحلول بشكل جلي وواضح يكون على مستوى التعامل مع الظاهرة وتكويناتها.
إن أكثر ما يحتاج إليه الواقع العربي هو الانعتاق من بوتقة التفسير والتحليل والانطلاق إلى مساحات ومناطق الحلول في التعامل, فمن الجميل أن تتعدد خيارات الحل وتتمايز أشكاله في تناول القضايا المعاصرة, فالأمم المتقدمة والمجتمعات الناهضة دائماً ما تجد لديها الكثير من الحلول في تناول الظواهر المحيطة بها, وما ذلك إلا دليل على متانة التفكير وإيجابياته في استدراكه لواقعه, ولا يعني ما تقدم أننا نقلل من أهمية التفسير للظاهرة بل إن ما نطمح إليه أن يقود هذا التفسير إلى حلول متعددة تكون نتاجا علميا سليما لندوات واجتماعات الحوار المفسر, حتى نصل إلى مفاهيم وخيارات, وحتى لا نعود من كل نقاش سياسيا كان أو اجتماعيا بخفي حنين, الخالي من الحلول.