عادت جلسات الحوار الوطني إلى الواجهة الإعلامية بصورة أكثر حضوراً، فالموضوع المطروح حالياً للحوار حول قضايا الوطن في غاية الأهمية، والنقل المباشر لجلسات الحوار ساعد كثيراً في تعزيز الثقة في الخطوة الإيجابية.....
..... وظهرت حرية التعبير في هذا اللقاء أكثر جرأة منذ قبل، وحملت في ثناياها قضايا وهموم تمس الأمن الوطني..
جاءت الآراء في قالب موضوعي رائع، ومن مختلف الفئات، وتنبئ بخروج قناة التعبير من دائرة الرأي النخبوية، وباتساع زوايا الحراك الاجتماعي بسبب دخول النساء بقوة في الحوار والتعبير عن هموم الوطن.. فقد أطلقت إحداهن تساؤلاً من العيار الثقيل عندما أشارت إلى أن المواطن عليه أن يدفع أحياناً من أجل الحصول على مطالبه في مكتب العمل، لكن علامات الاستفهام ظلت في أفق ردهات الحوار الوطني بدون أجوبة، فالمسؤول اكتفى بالإجابة المختصرة، وأنه لا يعلم عن قضايا (الرشاوي) في المكتب، وهي إجابة قد تدخل في فصل إن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم..
تجارة التأشيرات وطرق استغلالها كمصدر دخل عالٍ للكفيل يعلمها صغار المقاولين السعوديين ومن له حاجة في سوق العمل من غير المختصين في هذا المجال، فالقضية يتم التطرق لها بصورة متكررة في الحوارات الجانبية في المجتمع عندما يريد أحدهم مضطراً تأشيرات جديدة لاستقدام عمال، وقد يضطر أحياناً أن يشتري أو يدفع مبالغ تحت الطاولة مقابل الحصول على تأشيرات استقدام جديدة..
تختلف قيمة التأشيرة في السوق باختلاف الجنسية، فالأخوة العرب من سوريا واليمن يحضون بأعلى قيمة للتأشيرة..!، ويجد بعض المتخلفين في هذه الطريقة حلاً لتصحيح وضع إقامتهم..هذا ما نسمعه أحياناً من أصحاب الحاجة في سوق العمل السعودي..
يتداول الناس أيضاً في ظل غياب إحصائية دقيقة أن هناك من يكفل آلاف العمال في سوق العمل، ويطلق حريتهم في السوق مقابل نسبة من دخلهم الشهري للكفيل، وعليهم تكلفة تجديد الإقامة..هذا ما يتناوله الناس تكراراً، فهل يُعقل أن معاليه لا يعلم عن ما يتردد في المجتمع عن المتاجرة بالعمال، بالتأكيد لا يحق لنا الجزم بصحة ما يردده الناس، وهو ما يتطلب تحقيقات وشفافية متناهية من جهات مختصة..وإن صح بعض منها كان كافياً لإجهاض أي عملية إصلاحية هدفها المعلن توطين أبناء البلد في سوق العمل..وسيغدو الحوار الوطني مجرد ترف فكري، ينتهي تأثيره بانتهاء الجلسة..
تعتبر المتاجرة بحرية العمال الأجانب في السوق أحد أهم مصادر الدخل العالي لبعض المواطنين، ويؤدي إطلاق العمالة بشكل مكثف في السوق المحلية إلى سلب مدخرات وحقوق المواطنين بشكل عام في العمل المشروع في وطنهم، وسيقذف بهم إلى طبقات أدنى..إذ لا يمكن لمواطن أن يدخل المنافسة مثلاً مع العمالة الآسيوية في السوق، فهامش الربح المتدني وساعات العمل التي يقضيها الأجنبي في السوق لا يمكن للمواطن أن يجاريهما إذا قرر دخول معترك التجارة والأعمال الحرة، وهو ما يعني التفرغ للبحث عن العيش من خلال وسائل غير منتجة أو ضارة للمجتمع مثل التسول بمختلف أنواعه، والسرقة، والاستعداد لأخذ الرشوة مقابل خدمات في مجال عمله الرسمي، ومع ازدياد صعوبات حياته اليومية تتأثر مبادئه وإخلاصه وولائه، ثم تجعل منه مصدر لإشاعة السلبية، ولرفض الواقع، والتحريض نحو الفوضى..
سبق وأن تساءلت في مقال سابق عن تجاربنا غير الناجحة مع عدد من القرارات التي لم يتم تطبيقها في سوق العمل، والتي كانت تحمل في طياتها أهداف إستراتيجية وطنية أسقطت بين أيدينا الثقة في القرارات القادمة..من أهم هذه القرارات على سبيل المثال الأوامر التي صدرت لتوطين مهن عديدة منها سيارات الأجرة، والبقالات والمحلات التجارية وأسواق الذهب ومشروعات إقرار توطين محلات الكمبيوتر، ووظائف المعلمين والمعلمات في المدارس الخاصة..
سيظل المواطن غير قادر عن مسائلة المسؤول عن أسباب عدم تطبيقها في الواقع نظراً لغياب مؤسسات مستقلة تطالب الحكومة بتنفيذ هذه القرارات الوطنية الإستراتيجية..أو تدافع عن حقوقه أمام نفوذ الكفيل الذي يسيطر على غالبية هذه المهن من خلال عمالته الكثيفة الانتشار في السوق المحلية..
لكن هناك أيضاً من يدافع عن موقف المسؤول وعدم حماسه للإجابة عن هذه التساؤلات المشروعة، فهو ليس مضطراً للاستجابة أو التحرك لتصحيح الوضع الخاطئ نتيجة لمسائلة وردت في مداولات حوار وطني غير مؤهل قانونياً لإلزامه بذلك.. هو غير ملزم للتفاعل مع اهتمامات المواطنين، ولا يوجد قانون أو تنظيم يلزمه بالتجاوب والتحقيق في هذا الشأن الوطني...
هذا الموقف يدفعنا للتساؤل عن إستراتيجية الحوار الوطني في فتح المواجهة مع المسؤول، وهل ما يحدث من مواجهات مجرد ترف ثقافي وتفريغ فكري عن هموم ضاقت بها صدور المواطنين؟ أم أننا في صدد دخول عهد جديد يسمح للمواطن بالتحقيق مع المسؤول إذا ثبت تقصيره في إيجاد الحلول لحاجات المواطنين وهمومهم..!